مقتضية لاختصاصها بذلك الْبدن وَلَا بُد أَن تكون مُنَاسبَة لَهُ مُنَاسبَة خَاصَّة لصلوح سياسة بدن خَاص دون آخر وان خفيت علينا تِلْكَ الْمُنَاسبَة بِعَينهَا فان تِلْكَ المناسبات غير محصورة وَلَا ظَاهِرَة وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يتَوَلَّى أسرارها وسرائرها
فان قيل لَا نسلم بِأَن النُّفُوس الإنسانية متفقة فِي النَّوْع وَالْمعْنَى ولسنا نسلم أَن الْأَنْوَاع انما تتكثر من جِهَة النِّسْبَة إِلَى الْمَادَّة وَالْمَكَان وَالزَّمَان فَحسب بل الماديات انما تتكثر بالمقادير والكائنات الزمانية والنفوس الإنسانية لَيست بمادية فِي ذَاتهَا وانما نسبتها إِلَى الْمَادَّة بِوَجْه التَّدْبِير وَالتَّصَرُّف لَا بِوَجْه الانطباع فِي الْمَادَّة حَتَّى يَسْتَدْعِي مَكَانا مُمَيّزا وزمانا مُمَيّزا وَالتَّدْبِير وَالتَّصَرُّف لَا يُوجب تعددا ذاتيا فان الْوَاحِد يجوز أَن يكون متصرفا فِي أَشْيَاء وَالْعدَد الْكثير يجوز أَن يكون متصرفا فِي شَيْء وَاحِد فَهَذِهِ النِّسْبَة لذاتها لَا توجب الْكَثْرَة فِي الذَّات
قُلْنَا الدَّلِيل على أَن النُّفُوس الإنسانية متفقة النَّوْع مَا ذَكرْنَاهُ وَهُوَ أَن حد الانسان يشملها وَهُوَ الْحَيّ النَّاطِق وَمَا شَمله حد النَّوْع فَهُوَ مُتَّفق فِي النَّوْع وَالدَّلِيل على أَن أَسبَاب التكثر مَا ذكرته أَن الْأَشْيَاء الَّتِي ذواتها حقائق فَقَط انما تكثرها بالحوامل والقوابل والمنفعلات عَنْهَا أَو بِنِسْبَة مَا اليها وَإِلَى أزمنتها فَقَط فاذا كَانَت مُجَرّدَة لم تقترن بذلك فمحال أَن يكون بَينهمَا مُغَايرَة وتكثر
وَأما قَوْلهم إِن النَّفس الإنسانية لَيست بمادية فتتمايز بالمادة فَمُسلم لَكِنَّهَا ذَات نِسْبَة إِلَى الْمَادَّة أَي نِسْبَة كَانَت وان لم تكن نِسْبَة الانطباع فنسبة التَّدْبِير وَالتَّصَرُّف وَهَذِه النِّسْبَة مُؤثرَة فِي التَّمْيِيز كَافِيَة فَيُقَال إِن النَّفس الإنسانية ملك تِلْكَ الْمَدِينَة الفاضلة
فان قيل لَا نسلم إِن الْأَسْبَاب المكثرة محصورة فِيمَا ذكرْتُمْ من أَقسَام الْحَوَامِل والقوابل والمنفعلات عَنْهَا أَو النِّسْبَة اليها فماالدليل على الْحصْر أليست