المفارقات مُتَغَايِرَة الذوات والحقائق وَلَا حوامل لَهَا وَلَا قوابل وَلَا مَكَان وَلَا زمَان وانما تتمايز وتتغاير بحقائقها الذاتية وانما نوعها فِي شخصها أَعنِي فِي ذَاتهَا فَهَلا قُلْتُمْ فِي النُّفُوس الانسانية انها تتغاير بخواصها أَو بِأَمْر آخر سوى الْحَوَامِل أليست النُّفُوس بعد الْمُفَارقَة تتغاير بِالْعدَدِ وتقولون انها تتغاير بِمَا اكْتسبت من الْأَبدَان من الْأَخْلَاق والعلوم وقلتم يكفيها فِي التَّمْيِيز هَيْئَة انها كَانَت نفس الْبدن الْفُلَانِيّ وَلَئِن كَانَ هَذَا الْقدر كَافِيا فِي التَّمْيِيز فَهَلا كَانَ كَافِيا فِي التَّمْيِيز هَيْئَة انها سَتَكُون نفس الْبدن الْفُلَانِيّ فان الانطباع فِي الْبدن لَيْسَ بِشَرْط
قُلْنَا فِي المفارقات قد قَامَ الدَّلِيل على انها مُتَغَايِرَة الْحَقَائِق أما النُّفُوس البشرية فيشملها حد وَاحِد كَمَا ذكرنَا وانما يُمكن وجودهَا وتعددها بعد الْمُفَارقَة بهيئات وأخلاق اكْتسبت من الْأَبدَان وَقبل الِاتِّصَال بِالْبدنِ لَا يُمكن أَن تكتسب من الْأَبدَان شَيْئا إِذْ لَا أبدان وَمَا لَا يكون لَيْسَ لَهُ تَأْثِير فانا نعلم قطعا انها بعد الِاتِّصَال بِالْبدنِ انما تكمل بمعاونة الْبدن وتكتسب فَضَائِل ورذائل من العلاقة الْبَدَنِيَّة فَقبل الْبدن لَا علاقَة فَلَا اكْتِسَاب فَلَا تغاير فَثَبت انها تحدث مَعَ الْبدن
فان قيل أحلتم وجود النُّفُوس البشرية قبل الْأَبدَان بِبَيَان مَا ذكرْتُمْ من انها لَا تتَصَوَّر قبل الْأَبدَان وَنحن نورد اشكالين واقعين على نَحْو وجودهَا مُتَّصِلَة بالأبدان وحادثة مَعَ حُدُوث الْأَبدَان وَذَلِكَ لِأَنَّهُ من الْمُسلم بَيْننَا أَن النُّفُوس الإنسانية لَيست مادية وَلَا منطبعة فِي مَادَّة وَمَا هَذَا سَبيله فَلَيْسَ حُدُوثه على تدريج شَيْء بعد شَيْء أَو زمَان بعد زمَان بل يكون وجوده ابداعيا مَحْضا وَوُجُود الْبدن لَيْسَ بابداعي مَحْض بل على تدريج شَيْء بعد شَيْء واستحالة جُزْء بعد جُزْء فَأَي جُزْء بِعَيْنِه انْتَهَت النّوبَة اليه فِي الاستحالة حَتَّى يحدث عِنْده النَّفس ويتصل بِهِ وَلَيْسَ جُزْءا بِعَيْنِه إِلَّا وَيُمكن حُدُوث النَّفس قبله بلحظة أَو بعده بلحظة وَلَو قُلْتُمْ انها تحدث عِنْد كَمَال الاستعداد فَيُقَال وَكَمَال الاستعداد لَيْسَ يحصل بَغْتَة ودفعة بل على تدريج كَمَال بعد كَمَال وَقد