قبورٌ لو بأَحمدَ أَو عليَّ ... يلوذُ مُجيرها، حُفِظ المجيرُ
قبورٌ لم تزلْ مُذ غابَ عنها ... أَبو حسنٍ تُعَاديها الدُّهورُ
هُما أَبواكَ مَن وضَعها فَضَعْهُ ... وأَنت برفعِ مَن رَفَعها جديرُ
فقال له الحسنُ: من أنتَ؟ قال: أنا الأسلميُّ، قال: ادن حيَّاك الله وبسط له رداءه، فأجلسه عليه، وأمر له بعشرة آلاف درهمٍ.
حدَّثنا يموت بن المُزرَّع، ثنا عبد الله بن زكريا، عن أبيه، قال: قدم السَّيِّد الحميري الكوفة. فنزل على أبي دلامة، وإنهما لعلا حالهما، إذا أقبلت ابنة لأبي دُلامة صبيَّةٌ، فقال أبو دلامة " من الفوافر ":
فَما ولَدتكِ مريمٌ أُمُّ عيسى ... ولم يُكفلك لقمان الحكيم
أجز يا أبا هاشم، فقال السيِّد:
ولكنْ قد تضمُّك أُمُّ سُوءٍ ... إِلى لَبَّاتِها وأَبٌ لَئيمُ
حدَّثنا يموت، حدَّثنا عبد الله بن زكريا البصريُّ، قال: شهد السَّيدُ الشاعر عند سوَّار بن عبد الله القاضي بشهادة، فَرَدَّةَ، وقال: أنت رافضيُّ. فقال السيِّدُ أبياتاً كتب بها إلى المنصور، أوَّلها " من الرمل ":
قفْ بنا يا صاحِ وارْ ... بَعْ بالمغاني الموحشاتِ
يا أَمينَ اللهِ يا من ... صورُ يا خيرَ الولاةِ
إِنَّ سوَّارَ بن عبد ال ... لهِ مِن شرِّ القضاةِ
" نعثليُّ جَمليُّ ... لكم غيرُ مُواتِ "
" جدُّهُ سارقُ عنزِ ... فَجْرَةٌ من فَجَراتِ "
" لرسولِ اللهِ والقا ... ذِفهِ بالمنكراتِ
والذي نادى رسول ال ... له خلفَ الحجراتِ
يا هناهُ اخرجْ إِلينا ... إِنَّنا أَهلُ هِناتِ
فاكفنيهِ لأكفاهُ ال ... لهُ شَرَّ الطَّارقاتِ
فكتب إليه المنصور بإقطاعه " أرضاً " من أرض الحجاج بن يوسف، وكتب إلى سوَّار: لا يد لك عليه.
فقيل له: لو اعتذرت إلى الرجل، فقد أسأت القول فيه، ففعل، فلم منه سوَّار، فأنشأ يقول " من المتقارب ":
أَتيتُ دَعيَّ بني العَنبر ... أَرومُ اعتذاراً فلم يَعذُرِ
فقلتُ لنفسي وأَلزمتُها السْ ... لامةِ: من لومنا أَقصري
أَيعتذرُ الحُرُّ ممَّا أَتى ... إِلى رَجلٍ من بني العنبر
أَبوكَ ابنُ سارقُ عَنزِ النَّبيِّ ... وأُمُّك بنتُ أَبي حَجدرِ
" ونحن على رغمكَ الرَّافضو ... ن لأَهل الضلالةِ والمنكرِ "
حدَّثنا يموت، حدَّثني أبو زيد بن عمر بن شبَّة، أن أحمد بن معاوية حدثه، قال: حدَّثني مروان بن أبي حفصة، قال: دخلت بيت النَّاطفيِّ مولى عنان، وقد ضربها، فقلتُ " من السريع ":
بكتْ عنانٌ فجرى دَمعُها ... كالدُّرِّ قد تُوبعَ في خيطهِ
قال: فقالت والعبرة في حلقها " من السريع ":
أَخَلَّ، وَمَن يضربُها ظالماً ... تَيْبَسُ يُمناةُ على سَوطهِ
فقال مروان: هي " والله " أشعر الإنس والجنِّ.
آخر أخبار يموت بن المزرَّع.
والحمد لله حقَّ حمده، وصلواته وسلامهُ على سيِّدنا محمد نبيِّهِ وعبدِه، وعلى آله وصحبه من بعده.
القسْم المجْموع
[" نقد الشعر "]
أخبرنا الفَسَويّ، قال: حدثني يموت بن المزرَّع، قال: سمعتُ الجاحظ يقول: أجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء، سهل المخارج، كأنّه قد سُبك سبكاً واحداً، فهو يجري على اللسان كما يجري فرس الرِّهان؛ وحتى تراها مُتَّفِقَةً مُلساً، وليِّنةً المعاطف سهلة، فإذا رأيتها مُتَخَلِّعَةً متباينةً، ومتنافرةً مستكرهة، تشقُّ على اللسان وتَسْتَكِدُّهُ، ورأيت غيرها سهلةً ليِّنةً رطبةً، متواتيةً سلسةً في النظام، حتى كأنّ البيت بأسره كلمة واحدة، وحتى كأنّ الكلمة بأسرها حرف واحد لم يخف على من كان من أهله.
من ذلك قوله " من البسيط ":
مَنْ كانَ ذا عَضُدٍ يُدركْ ظُلامتَهُ ... إِنّ الذليل الذي ليسَتْ له عُضُدٌ
تنبُو يداهُ إِذا ما قلَّ ناصرُهُ ... وَيَأُنفُ الضيمَ إِنْ أَثري لهُ عددُ
وقوله: " من الطويل ":