للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا وجدته مقدما" اهـ. وكان في أذن سفيان آنئذ قرط من ذهب لصغره.

وهذا الأعمش يقال له: هؤلاء الغلمان حولك؟ ! فقال: "اسكت، هؤلاء يحفظون عليك أمر دينك" (١).

ويقول القاضي عبد الله بن محمد الأصبهاني: "حفظت القرآن ولي خمس سنين، وحملت إلى أبي بكر المقري لأسمع ولي أربع سنين، فقال بعض الحاضرين: لا تسمعوا فيما قرئ فإنه صغير. فقال لي ابن المقري: اقبرأ سورة الكافرون فقرأتها، فقال: "اقرأ سورة التكوير" فقرأتها. فقال لي غيره: "اقرأ سورة المرسلات" فقرأتها ولم أغلط فيها. فقال ابن المقري: "سمعوا له والعهدة علي" (٢).

وهذا من أطرف ما يسمع في حفظ الصغير ونبوغه في كل الأمم، وإنه لدليل قاطع يثبت ما كانت عليه تلك المجتمعات الإسلامية من التنافس في تحصيل العلم سيما علوم الشريعة وعلى رأسها القرآن والحديث. حتى إن ذلك ليعتبر عندهم من الضرورة بالمنزلة التي تفوق كل شيء.

وهكذا على قبس من علوم الشريعة، وعلي هدي من نبراسها انطلقوا في شتى ميادين العلم، فسبقوا أمم الأرض، وكانوا رواد الحضارة: فابن رشد الحفيد إمام في الفلسفة والعلوم وفي الفقه والاجتهاد، وابن النفيس علامة مخترع في البصريات، وفقيه شافعي معتبر، ذكره السبكي في طبقات الشافعية، وهكذا غيرهم كثير، تحدثنا أخبارهم بالنبأ اليقين عن النهضة العلمية الشاملة في ظل الحضارة الإسلامية.


(١) الكفايةك ٦٣.
(٢) الكفاية: ٦٤ - ٦٥.

<<  <   >  >>