للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه كتب السنة والسيرة فيها كثير من سماعات الصحابة لأقوال النبي صلى الله عليه وسلم ومشاهداتهم لأحواله قبل أني يسلموا.

أما الكمال والدرجة العليا للسماع فمداره على التأهل للضبط الفقهي والانتفاع بالعلم، وذلك يحتاج لسن كبير يشغله بتحصيل القرآن ومبادئ العلوم.

قال أبو عبد الله الزبيري: "يستحب كتب الحديث في العشرين، لأنها مجتمع العقل، وأحب أن يشتغل دونها بحفظ القرآن والفرائض" (١). وقال سفيان الثوري وغيره: "كان الرجل إذا أراد أن يطلب الحديث تعبد قبل ذلك عشرين سنة" (٢).

وهذا لا يمنع أن يبكر بالسماع للكتب، وأخذ الإسناد بها منذ الصغر بظهور التمييز وبزوغه، كما نبه على ذلك أئمة العلمن قال الخطيب: "ولهذا بكروا بالأطفال في السماع من الشيوخ الذين علا إسنادهم" (٣).

وقد ذكروا من الروايات حول صنيع الأمة في هذا الأمر ما يدل دلالة عظيمة على عنايتهم بتحصيل العلم وتنافسهم فيه ذلك التنافس والتسابق الذي يثير المواهب ويكون العبقريات في البراعم الرطبة؛ الأطفال.

هذا الخطيب البغدادي يروي في كفايته (٤) عن أحمد بن حنبل قال في سفيان بن عيينة: "أخرجه أبوه مكة وهو صغير فسمع من الناس عمرو بن دينار وابن أبي نجيح في الفقه، ليس تضمه إلى أحد


(١) الكفاية نقلا عن الرامهرمزي ص: ٥٥، وانظر الإلماع: ٦٥.
(٢) الكفاية: ٥٤.
(٣) المرجع السابق: ٦٣ - ٦٤. وانظر علوم الحديث: ١١٥.
(٤): ٦٠.

<<  <   >  >>