"إذا جاز للراوي تبديل لفظ الرسول بلفظ نفسه فذلك يقتضي سقوط الكلام الأول، لأن التعبير بالمعنى لا ينفك عن تفاوت، فإن توالت المتفاوتات كان التفاوت الأخير تفاوتا فاحشا بحيث لا يبقى بين الكلام الأخير وبين الأول نوع مناسبة".
وهذا الطعن يعتمد أصحابه على إثارة الوساوس في النفوس، بطريق المغالطة والتغافل العنيد عن الشروط التي أحاطها العلماء حول صحة الحديث والرواية بالمعنى، وهي شروط تجعل الناظر في تصرف المحدثين يطمئن إلى أن النقل بالمعنى لم يفوت جوهرالحديث، وإنما وضع مفردات موضع مفردات أخرى في نفس المعنى.
ونوجز لك بيان ذلك من وجهين (١).
١ - إن الرواية بالمعنى لم تجز إلا لعالم باللغة، لا يحيل المعاني عن وجهها، وهذا بالنسبة للصحابة متوفر، فهم أرباب الفصاحة وأبناء بجدة اللغة في ما أوتوا من قوة الحفظ، وما توفر من أسبابه التي ذكرنا منها طرفا، ثم من جاء بعدهم يعرض على الاختبار، ولم يقبل العلماء إلا من توفر فيه هذا الشرط.
٢ - هب أن الراوي بالمعنى قد أخطأ الفهم وروى الحديث على الخطأ. أفيذهب الخطأ على العلماء؟ ! . هذا مالا يمكن! ! فإنهم يشترطون في الحديث الصحيح والحسن انتفاء الشذوذ والعلة منه، أي أن حديث الثقة لا يقبل حتى يعرض على روايات الثقات، ويتبين أنه موافق لها، سالم من القوادح الخفية.
وبذلك يجتنب ما قد يطرأ على الحديث نتيجة تناقله بين رجال السند، ولا يبقى لتوهم إخلال الراوي بالحديث أي صنع.
(١) وسنفصل بحث الرواية بالمعنى مع المناقشة حول هذه الشبهة في كتال الجرح والتعديل إن شاء الله.