وهذا أمر بدهي في نظرنا تقضي به الفطرة الإنسانية لا يحتاج إلى كثير من الاستدلالات والبراهين، فما من إنسان إلا وهو يعول في إبرام شؤونه في العمل، أو التجارة، أو الدراسة، أو غيرها على ما يخبره به واحد موثوق من الناس، حيث يقع في نفسه صدق المخبر ويغلب على احتمال الغلط أو احتمال الكذب.
بل إن الشؤون الكبرى في مصير الأمم يعتمد فيها على أخبار الآحاد الثقات، كالسفراء، أو المبعوثين من قبل الحكومات، فالتوقف عن قبول خبر الواحد يفضي إلى تعطيل الدين والدنيا.
ثم إن العلماء بعد أن اتفقوا على وجوب العمل بالحديث الصحيح الآحادي في أحكام الحلال والحرام اختلفوا في إثبات العقائد ووجوبها به. فذهب أكثر العلماء إلى أن الاعتقاد لا يثبت إلا بدليل يقيني قطعي هو نص القرآن أو الحديث المتواتر.
وذهب بعض العلماء من أهل السنة وابن حزم الظاهري إلى أن الحديث الصحيح يفيد العلم القطعي ويوجب الاعتقاد، وأن هذا العلم القطعي علم نظري برهاني لا يحصل إلا للعالم المتبحر في الحديث العارف بأحوال الرواة والعلل. وقوى بعض الكاتبين العصريين هذا المذهب تبعا لميله إلى ابن حزم الظاهري.
ونحن إذا نظرنا إلى الأحاديث الصحيحة على ضوء قواعد العلم والمعرفة بأحوال الرواة نجد أنها تتفاوت في استيفائها صفات الصحة من أعلى مراتبها وأقوى أحوالها إلى أدنى وصف الصحيح، وذلك يفضي بنا إلى تفصيل في حكم الصحيح يقسمه إلى قسمين:
١ - القسم الأول: الخبر الصحيح الذي لم يحتف بما يقويه، وهذا يفيد الرجحان الغالب ويقع في القلب موقع القبول وربما يظنه