الإمام أبو عمرو بن الصلاح أن لا تقع أحكام المتأخرين الموقع الصائب كالذي كان عليه أولئك الأعلام، فأبدى تشككه في صلاحية المتأخرين لهذه المهمة الجليلة، فقال في كتابه علوم الحديث:
"إذا وجدنا فيما يروى من أجزاء الحديث وغيرها حديثا صحيح الإسناد، ولم نجده في أحد الصحيحين، ولا منصوصا على صحته في شيء من مصنفات أئمة الحديث المشهورة فإنا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته، فقد تعذر في هذه الأعصار الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد، لأنه ما من إسناد من ذلك إلا وتجد في رجاله من اعتمد في روايته لعى ما في كتابه عريا عما يشترط في الصحيح من الحفظ والضبط والاتقان، فآل الأمر إذا في معرفة الصحيح والحسن إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة المشهورة".
لكن العلماء لم يوافقوا ابن الصلاح على ذلك، بل أجازوا النظر في الأحاديث والحكم عليها، لمن تمكن من علماء المتأخرين وقويت معرفته. صرح بذلك النووي، وابن كثير، والعراقي وغيرهم في عصورهم والعصور التي بعدهم، وأشهر من ناقش ذلك واعتنى بنقضه الحافظ عبد الرحيم العراقي، ثم تليمذه الحافظ ابن حجر.
أما الحافظ العراقي فقد انتقد ابن الصلاح في نكته على كتابه بأن عمل هذا الحديث جرى على خلاف ما رآه ابن الصلاح وحكم به، قال:"ولم يزل ذلك دأب من بلغ أهلية ذاك منهم إلا ان منهم من لا يقبل ذاك منهم، وكذا كان المتقدمون ربما صحح بعضهم شيئا فأنكر عليه تصحيحه".
وإذا كان الحافظ العراقي قد خص التصحيح بالذكر، فإن جواز الحكم بالحسن أولى، وهذه أبحاث أولئك الأعلام تتناول التحسين