للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وغيره، والذي منعه ابن الصلاح إنما هو القسم الأول دون الثاني كما تعطيه عبارته.

وذلك أن يوجد في جزء من الأجزاء حديث بسند واحد من طريق واحد لم تتعدد طرقه، ويكون ظاهر الإسناد الصحة لاتصاله وثقة رجاله فيريد الإنسان أن يحكم لهذا الحديث بالصحة لذاته بمجرد هذا الظاهر، ولم يوجد لأحد من أئمة الحديث الحكم عليه بالصحة، فهذا ممنوع قطعا لأن مجرد ذلك لا يكتفي به في الحكم بالصحة، بل لا بد من فقد الشذوذ ونفي (١) العلة، والوقوف على ذلك الآن متعسر بل متعذر لأن الاطلاع على العلل الخفية إنما كان للئامة المتقدمين لقرب أعصارهم من عصر النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الواحد منهم من تكون شيوخه التابعين أو اتباع التابعين أو الطبقة الرابعة، فكان الوقوف على العلل إذ ذاك متيسرا للحافظ العارف، وأما الأزمان المتأخرة فقد طالت فيها الأسانيد، فتعذر الوقوف على العلل إلا بالنقل من الكتب المصنفة في العلل، فإذا وجد الإنسان في جزء من الأجزاء حديثا بسند واحد ظاهره الصحة لاتصاله وثقة رجاله لم يمكنه الحكم عليه بالصحة لذاته، لاحتمال أن يكون له علة خفية لم نطلع عليها لتعذر العلم بالعلل في هذه الأزمان.

وأما القسم الثاني: فهذا لا يمنعه ابن الصلاح ولا غيره، وعليه يحمل صنع من كان في عصره ومن جاء بعده، فإني استقريت ما صححه هؤلاء فوجدته من قسم الصحيح لغيره لا لذاته ... ".

وهذا تحقيق جيد من السيوطي يحقق الاحتياط للسنة، والإفادة من كنوز مصادرها العظيمة، وقد تحمل السيوطي عهدة الاستقراء الذي ذكره، وهو إمام حافظ ثقة.


(١) غير ظاهرة في المخطوطة فقرأناها هكذا.

<<  <   >  >>