وقد ضاعف أثر هذا الدافع في نفوسهم تحريضه صلى الله عليه وسلم إياهم على حفظه حديثه وأدائه إلى الناس في أحاديث كثيرة تدل على عنايته صلى الله عليه وسلم بذلك وتكرار الوصاة به، كحديث زيد بن ثابت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"نضر الله امرءا سمع مقالتي فبلغها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه (١) وبذلك أصبح حفظ الحديث واجبا لكي يخرج المسلم من مسؤولية التبليغ الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
٣ - مكانة الحديث في الإسلام، فإنه كما عرفت ركن أساسي، دخل في تكوين الصحابة الفكري وسلوكهم العملي والخلقي، حيث كانوا يأتسون برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شيء، يتلقفون منه الكلمة فتخالط مخهم وعظمهم وكيانهم ثم يصوغونها عملا وتنفيذا. وذلك لا شك يؤدي للحفظ، ويحول دون النسيان، لأنه الوسيلة للبراءة من العهدة، وللتحقق بالاتباع.
٤ - أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن الصحابة سيخلفونه في حمل الأمانة وتبليغ الرسالة، فكان يتبع الوسائل التربوية في إلقاء الحديث عليهم، ويسلك سبيل الحكمة كي يجعلهم أهلا لتحمل المسؤولية، فكان من شمائله في توجيه الكلام:
أ- أنه لم يكن يسرد الحديث سردا متتابعا، بل يتأنى في إلقاء الكلام ليتمكن من الذهن.
ب- أنه لم يكن يطيل الأحاديث، بل كان كلامه قصدا. وقد
(١) أبو داود "فضل نشر العلم": ٣: ٣٢٢ والترمذي: ٥: ٣٣ - ٣٤ وابن ماجه بلفظه: ١: ٨٤. والحديث متواتر، هذا أحد ألفاظه.