للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا أننا نلاحظ أن القول بالنسخ لا يحل الإشكال في هذه المسألة؛ لأن النهي عن الكتابة لو نسخ نسخا عاما لما بقي الامتناع عن الكتابة في صفوف الصحابة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ولأقيمت الحجة عليهم من طلبة العلم الذين كانوا على أشد الحرص على تدوين الحديث فما زال المشكل بحاجة إلى مخلص مناسب لحله.

والذي يهدي إليه النظر في هذه المسألة أن الكتابة لا ينهى عنها لذاتها، لأنها ليست من القضايا التعبدية التي لا مجال للنظر فيها ولأنها لو كانت محظورة لذاتها لما أمكن صدور الأذن بها لأحد من الناس كائنا من كان.

وعلى هذا فإنه لا بد من علة يدور عليها الإذن والمنع في آن واحد. والعلة التي تصلح لذلك في اختيارنا هي خوف الانكباب على درس غير القرآن، وترك القرآن اعتمادا على ذلك (١).

ذلك أننا تأملنا أقوال الصحابة الذين امتنعوا عن الكتابة وحظروها فإذا بنا نجدهم يصرحون بذلك: هذا أبو نضرة يقول قلنا لأبي سعيد: "لو كتبتم لنا، فإنا لا نحفظ قال: لا نكتبكم ولا نجعلها مصاحف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا فنحفظ، فاحفظوا عنا كما نحفظ عن نبيكم" (٢) فهذا أبو سعيد الخدري وهو راوي الحديث يفسر النهي عن الكتابة بأنه خشية أن يجعل الحديث موضع القرآن، وراوي الحديث أعلم بما روى كما يقرر العلماء.

وعن عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن،


(١) وقد وقع ذلك للأسف في هذا العصر لبعض المتصدرين في الحديث أنه ربما عرضت لبعضهم الآية من القرآن فلم يعرف أنها من كتاب الله تعالى! !
(٢) أخرجه الخطيب في تقييد العلم: ٣٦. وابن عبد البر في جامعه: ١: ٦٤.

<<  <   >  >>