بمكان كبير، رأينا أن ننبه على وسائل الوصول إليه مما استخرجناه من كلام أئمة هذا الشأن، وذلك بأحد الوسائل الآتية:
١ - أن يجمع المحدث اليقظ روايات الحديث الواحد، ويوازن بينها سندا ومتنا فيرشده اختلافها واتفاقها على موطن العلة، مع قرائن تنضم لذلك تنبه العارف. وهذا الطريق هو الأكثر اتباعا وهو أيسرها. وقد يحتاج إلى جمع أحاديث الباب كله وكل ما له علاقة بمضمون الحديث، وذلك يحتاج لحفظ غزير سريع الاستحضار.
٢ - موازنة نسق الرواة في الإسناد بمواقعهم في عامة الأسانيد، فيتبين منه أن تسلسل هذا الإسناد تفرد عن المعروف من وقوع رواته في الأسانيد، مما ينبه على علة خفية فيه، وإن كانت هذه العلة يصعب تعيينها، وهذا أمر لا يدرك إلا بالحفظ التام والتيقظ الدقيق، وسرعة الاستحضار الخاطف لجمل الأسانيد في الدنيا.
وهذا قد أدخله الحاكم في تعريفه للشاذ الذي تعرضنا له سابقا. فإنه قال (١) في حديث قتيبة بن سعيد: ثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم سار ... إلخ.
قال الحاكم:"هذا حديث رواته أئمة ثقات، وهو شاذ الإسناد والمتن. لا نعرف له علة نعلله بها ... ، ثم نظرنا فلم نجد ليزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل رواية، ولا وجدنا هذا المتن بهذه السياقة عند أحد من أصحاب أبي الطفيل، ولا عند أحد ممن رواه عن معاذ بن جبل عن أبي الطفيل. فقلنا: الحديث شاذ" .. إلى آخر كلامه.
(١) في المعرفة: ١١٩ - ١٢٠, وانظر ص ٤٢٩ من كتابنا هذا.