قَالَ هُوَ رَآهَا ثِنْتَيْنِ وهى فى نفس الامر وَاحِدَة وَله من هَذَا الْقَبِيل أَشْيَاء أخر وَكَانَ يحب المداعبة ويستعملها اذا خلا مَعَ بعض خلانه وأذكر لَيْلَة خرج النَّاس بالجامع ينظرُونَ هِلَال شهر رَمَضَان فَرَآهُ رجل من جيراننا وَحده وَلم يزل يُومِئ اليه حَتَّى رَآهُ مَعَه غَيره وعاينوه ثمَّ جَاءَ الى الْوَالِد مهنيا وَهُوَ مفتخر بِرُؤْيَة الْهلَال وَحده فَقَالَ لَهُ أخْشَى على بَصرك من تحديقك فِيهِ ان لَا ترَاهُ لَيْلَة عيد الْفطر وَهَذَا سحر الْكَلَام وَمَات أَبوهُ وسنه سِتّ عشرَة سنة فاتصل بِخِدْمَة الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن العمادى الْمُفْتى وَتخرج بالاقتباس من نوره والاغتراف من بحره وراض طبعه على أَخذ نمطه فى الانشاء فَصَارَ منشئا بِحقِّهِ وَصدقه متجرا فى ترسله وشعره وان كَانَ جيدا الا أَن نثره أَجود وألطف موقعا وأبدع صَنْعَة وانا بِحَمْد الله تَعَالَى قد أخذت الانشاء عَنهُ وتلقيت أساليبه مِنْهُ كَمَا قلت فى تَرْجَمته فى كتابى النفحة حَتَّى خصنى بتعليم مَا تفرد بِهِ من الانشاء وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشَاء وَكَانَ أَخذ الحَدِيث عَن النَّجْم الغزى وَأَجَازَهُ اجازة عَامَّة فى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف ثمَّ قصد سلوك طَرِيق عُلَمَاء الرّوم فسعى على الْمُلَازمَة من شيخ الاسلام الْمولى يحيى بن زَكَرِيَّا وسافر لاجلها الى حلب لما قدم اليها الْمولى يحيى فى خدمَة السُّلْطَان مُرَاد فى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَألف فى سفرته هَذِه رحلته الجلية وَفرغ لَهُ أَبوهُ عَن الْمدرسَة الدرويشية ودرس آخر بالامينية مُضَافَة اليها ثمَّ سَافر الى الرّوم فى سنة احدى وَخمسين وَألف رحلته الرومية وَأقَام بهَا مِقْدَار سنة وانفصل عَن مدرسة الاربعين ثمَّ رَجَعَ الى دمشق وَأقَام مشتغلا فِيهَا بالتأليف وَمن مؤلفاته شَرحه على الْآجر ومية أَطَالَ الْكَلَام فِيهِ وَذكر أَشْيَاء لَطِيفَة ثمَّ رَحل الى مصر فى سنة تسع وَخمسين فى خدمَة قاضيها الْمولى مُحَمَّد بن عبد الْحَلِيم البورسوى وناب عَنهُ فى محكمَة الصالحية وَكَانَ ممتعا بالتفاته وحظى عِنْده كثيرا ثمَّ ورد مورد الشهَاب الخفاجى للتلقى مِنْهُ وَكَانَ البورسوى يبغض الشهَاب فَوجدَ بعض حَاشِيَته مسلكا لذمه وَقَالُوا انما كَانَ اجتماعه مَعَه ليذمك عِنْده ويهجوك فانحرف عَلَيْهِ بِسَبَب ذَلِك وغض عَنهُ طرفَة فَلم يعد بعْدهَا الى مَجْلِسه وَلما عزل البورسرى اسْتَقر هُوَ بِالْقَاهِرَةِ وَلم يزل مُدَّة اقامته مشتغلا بِأخذ الْعلم على كبراء الْجَامِع الازهر مِنْهُم النوران على الاجهورى وعَلى الشبراملسى والشهاب الشوبرى وَغَيرهم مِمَّن ذكره فى رحلته المصرية ثمَّ قدم الى وَطنه وَهُوَ مَرِيض واسترسل بِهِ الْمَرَض حَتَّى استغرق عمره فتخلى للتأليف