وَجمع كتابا من مُفْرَدَات الابيات يحتاجها المنشئ فى ترسلاته ورتبها على أَبْوَاب وَكَانَ كثيرا المطالعة لكتب الطِّبّ والمراجعة للاطباء حَتَّى تمهر فى علم الطِّبّ جدا وَكَانَ ملازم الحمية وَسمعت من لَفظه قبيل مَوته بأشهر أَنه من مُنْذُ سبع عشرَة سنة لم يَأْكُل المشمش وَالْعِنَب وَكَانَ شَدِيد التَّوَهُّم فى أَمر المزاج يتَوَهَّم أَشْيَاء بعيدَة ويبنى عَلَيْهَا وَاسْتمرّ مُجَانب الِاخْتِلَاط مَعَ النَّاس مُدَّة الى أَن ولى أستاذى المرحوم شيخ مُحَمَّد العزتى قَضَاء الشَّام فنبه حَظه من سنة الْغَفْلَة وراسل شيخ الاسلام أَبَا سعيد فى الشَّفَاعَة لَهُ برتبة قَضَاء آمد فَأحْسن بهَا اليه ثمَّ بعد مُدَّة سَافر الى الرّوم وَذَلِكَ فى تَاسِع الْمحرم سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف وَأقَام بهَا أَربع سنوات وَلما توجه تركني وَأَنا ابْن احدى عشر سنة وَكنت ختمت الْقُرْآن فابتدأت فى الِاشْتِغَال من ذَلِك الْعَهْد وتعانيت نظم الشّعْر وَأول شعر قلته هَذِه الابيات كتبت بهَا اليه فى صدر رِسَالَة
(أتراه يسرنى بتلاقى ... ونواه قد لج فى احراقى)
(كَيفَ أسلو عهوده وغرامى ... فِيهِ أضحى وَقفا على الاشواق)
(يَا لَك الله من فؤاد معنى ... كم يلاقى من الجوى مَا يلاقى)
(قد تصبرت بِالضَّرُورَةِ حتما ... وَأرى الصَّبْر عَنهُ مر المذاق)
(فَلَعَلَّ الزَّمَان يقْضى بِجمع ... لى من بعد طول هَذَا الْفِرَاق)
فَكتب الى من جملَة رِسَالَة وَقد قَرَأت الابيات القافية الَّتِى هى باكورة شعرك وعنوان نجابتك ان شَاءَ الله تَعَالَى وعلو قدرك فاياك من الشّعْر فانه كاسد السّعر ويشغل الْفِكر وَعَلَيْك بالاشتغال لتبلغ دَرَجَة الفحول من الرِّجَال وَالله سُبْحَانَهُ يبقيك وَمن كل سوء يقيك ويقر عين أَبِيك فِيك وفى أَخِيك وَكَانَ لى أَخ أَصْغَر منى وَهُوَ الذى ذكره وَكَانَ اسْمه فيض الله مَاتَ فى غيبته فَلَمَّا بلغه مَوته كتب الى ولدى وواحدى أَطَالَ الله لَهُ الْبَقَاء وأدام لَهُ الْعِزّ والارتقاء يعرض عَلَيْهِ وَالِده بعد عرض السَّلَام انه لما قدم فلَان وَسَأَلته عَن أَحْوَال الشَّام