للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَكَانَ النَّوَى يكفى لتشتيت شملنا ... فَكيف اذا كَانَ النَّوَى والنوائب)

وَكنت أَرْجُو بقاه لاحظى بعد طول هَذِه الْفرْقَة بلقاه وَهَذِه حسرة الى الابد وجمرة لَا تكَاد تخمد فَلَا حِيلَة الا التَّسْلِيم والرضى وانا لله وانا اليه رَاجِعُون بِمَا قدر بِهِ وَقضى فنسأله سُبْحَانَهُ أَن يلهمنا جميل الصَّبْر ويعظم لنا جزيل الاجر وَأَن يَجْعَل ذَلِك خَاتِمَة الكروب وقافية بَيت الخطوب وَمَا نقص من عمره وانكسف من بدره زِيَادَة فى عمر أَخِيه رَأس المَال ونتيجة جَمِيع الآمال ففى بَقَائِهِ عوض عَن كل ذَاهِب وَخلف عَن كل غارب واذا دَعَوْت الله أَن يمتعنى بسمعى وَبصرى عنيته واذا قلت اجعلهما الْوَارِث منى فَهُوَ الذى أردته لذَلِك وارتضيته وَوَقع لَهُ فى بِلَاد الرّوم مَا جريات وأشعار وترسلات أثبت مِنْهَا كثيرا فى رحلته الاخيرة وهى أحسن آثاره وَكَانَ لَهُ أَمَان من الدَّهْر ماطله بقضائها حَتَّى مل الاقامة ويئس من الطّلب فَأَشَارَ اليه بعض اخوانه بِعَمَل قصيدة للوزير أَحْمد باشا الْفَاضِل فنظم قصيدته الرائية الَّتِى مطْلعهَا

(طيف يمثله الغرام بفكره ... وَرَجا يحار بطيه وبنشره)

حكى لى مرَارًا أَنه لما دخل بهَا عَلَيْهِ تنَاول قرطاسها من يَده وَشرع فى قرَاءَتهَا الى أَن وصل الى قَوْله فِيهَا

(وألفت صرف الدَّهْر حَتَّى انه ... سيان عندى عسره مَعَ يسره)

فأعجبه الْبَيْت ثمَّ سَأَلَهُ عَن مطلبه فأنشده بَيت الطغرائى

(أُرِيد بسطة كف أستعين بهَا ... على قَضَاء حُقُوق للعلى قبلى)

فَزَاد عجابا بمناسبته ووعده مواعيد أنجزت وَلكنهَا تخلفت أَيَّامًا فَأَخَذته شدَّة القلق وَالْغَم لتأخرها وَمِمَّا اتّفق لَهُ انه كَانَ فى ذَلِك الاثناء مارا فى بعض أَزِقَّة دَار الْملك وَهُوَ فى غَايَة ضيق الصَّدْر فَسمع رجلا من الرّوم يَقُول بِلَفْظ عربى فصيح

(وَلَا بُد فى الاوقات وَقت مبارك ... )

فَفرج عَنهُ وَأخذ فأله مِنْهُ فَلم يمض أَيَّام قَليلَة الا ونالته شَفَاعَة الْوَزير بِقَضَاء بيروت وَلم تطل مُدَّة مقَامه بعد ذَلِك بالروم فَتوجه تِلْقَاء الشَّام ودخلها فى يَوْم الاحد غرَّة الْمحرم سنة سبع وَسبعين وَألف وَأقَام بهَا ثَلَاثَة أشهر ثمَّ توجه الى بيروت وصحبنى مَعَه وأقمنا بهَا مِقْدَار سنة ثمَّ رَجعْنَا الى الوطن وعدنا اليها مرّة أُخْرَى وأقمنا بهَا مِقْدَار عشرَة أشهر ثمَّ رَجعْنَا أَيْضا الى الشَّام تفرغ للتاريخ الذى جمعه وذيل بِهِ على تَارِيخ الْحسن البورينى وَالْتزم فِيهِ التسجيع وَهُوَ أحد مَادَّة

<<  <  ج: ص:  >  >>