للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

رأى الشَّيْخ على يَمِين تِلْكَ الْمَرْأَة ينظر إِلَيْهِ وَاضِعا إصبعه السبابَة فِي فَمه على طَرِيق التَّنْبِيه والتعجب فَلَمَّا رَآهُ حصل لَهُ مِنْهُ غَايَة الْحيَاء وَانْقطع أصل محبتها من قلبه وَمضى لسبيله وَلما رَجَعَ من الْخدمَة وصل إِلَى الشَّيْخ فَلَمَّا رَآهُ ضحك مِنْهُ فَعرف أَنه كَانَ مشعراً بذلك وَمِنْهَا أَن وَاحِدًا من أَصْحَاب الشَّيْخ اله بخش كَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ شَيْئا فِي علم التصوف ذَات يَوْم فجَاء الْجَرَاد إِلَى الْبَلَد ووقف على أَشجَار النَّاس وزروعهم فجَاء راعي بُسْتَان الشَّيْخ وَأخْبرهُ بالجراد فَأرْسل الشَّيْخ وَاحِدًا من أَصْحَابه إِلَى الْبُسْتَان وَقَالَ لَهُ قل للجراد منادياً بِصَوْت رفيع إِنَّكُم أضيافنا ورعاية الأضياف لَازِمَة إِلَّا أَن بستاننا أشجاره صغَار لَا تحْتَمل ضيافتكم فالمروءة أَن تتركوه فمجرد مَا سمع الْجَرَاد هَذَا الْكَلَام من الرجل طَار وَخرج من بُسْتَان الشَّيْخ وَصَارَ زروع النَّاس وبساتينهم كعصف مَأْكُول إِلَّا بُسْتَان الشَّيْخ وَمِنْهَا أَن رجلا جَاءَ إِلَى الشَّيْخ اله بخش وشكا إِلَيْهِ الْفقر والضيق فِي الْمَعيشَة وَجلسَ أَيَّامًا فِي خدمته فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ إِذا حصل لَك شَيْء من الدُّنْيَا مَا تخرج لنا مِنْهُ فَقَالَ الْعشْر فَقَالَ لَهُ لَا تَسْتَطِيع فكرر عَلَيْهِ الْكَلَام حَتَّى اسْتَقر الْحَال على أَن يخرج لَهُ من كل مائَة وَاحِدًا فَأمره أَن يروح إِلَى وَاحِد من أهل الدُّنْيَا فَحصل لَهُ ببركة الشَّيْخ دنيا كَثِيرَة فِي أَيَّام قَليلَة فَكَانَ الشَّيْخ يُرْسل إِلَيْهِ الْفُقَرَاء وَيكْتب لَهُ بِأَن يعطيهم فَلَا يُؤَدِّي إِلَيْهِم شَيْئا ثمَّ اجْتمع عِنْده دَرَاهِم كَثِيرَة من حِصَّة الشَّيْخ فَكتب إِلَى الشَّيْخ أَنكُمْ تُرْسِلُوا وَاحِدًا من خدّامكم حَتَّى نرسل هَذِه الدَّرَاهِم إِلَيْكُم فَلَمَّا وصل مكتوبه حصل للشَّيْخ غيرَة وَغَضب وَقَالَ سُبْحَانَ الله مَا قلع أحد من وَقت آدم إِلَى يَوْمنَا هَذَا شَجَرَة غرسها بِنَفسِهِ إِلَّا أَنا أقلعه الْيَوْم فَجَاءَهُ بعد أَيَّام خبر مَوته وَله كرامات كَثِيرَة وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشر شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَألف وعمره اثْنَان وَثَمَانُونَ سنة وَهُوَ على ركبة تِلْمِيذه الشَّيْخ تَاج الدّين وأوصاه أَن لَا يغسلهُ وَلَا يُكَفِّنهُ إِلَّا هُوَ فَقبل وَصيته رَحمَه الله تَعَالَى

الشَّيْخ إِمَام الدّين بن أَحْمد بن عِيسَى المرشدي الْعمريّ الْحَنَفِيّ مفتي مَكَّة الْفَاضِل الْعَالم الْعلم ولد بِمَكَّة وَبهَا نَشأ وَقَرَأَ الْقُرْآن وَحفظه وجود على الْفَقِيه الْمقري أَحْمد اسكندر وَحفظ الْكَنْز والهاملية وعرضهما على ابْن عَمه حنيف الدّين بن عبد الرَّحْمَن المرشدي الْآتِي ذكره ولازمه فِي دروسه حَتَّى حصل طرفا صَالحا فِي مَذْهَب الإِمَام الْأَعْظَم وَأخذ النَّحْو عَن عبد الله باقشير وَأخذ عَن عِيسَى المغربي الْجَعْفَرِي وَمُحَمّد بن سُلَيْمَان نزيل مَكَّة وَقَرَأَ طرفا على السَّيِّد مُحَمَّد الشلي باعلوي من البُخَارِيّ

<<  <  ج: ص:  >  >>