وَإِذا خالط الصغار يصغر مَحْبُوب قُلُوب الْأَنَام لَهُ فِيهَا التَّصَرُّف التَّام لَا يرَاهُ أحد من النَّاس إِلَّا وَيَوَد أَن يكون لَهُ من الندماء والجلاس يحب التلاق وبكره الْفِرَاق لَا يودع مُسَافِرًا وَلَا يعود مَرِيضا وَلَا يشيع جَنَازَة إِلَّا نَادرا وَكَانَت أوقاته مستغرقة فِي النزهات وَكَانَ لَهُ بعض ثروة وَيتَعَاطَى صَنْعَة القماش وَحج مرَّتَيْنِ متتابعتين وسافر إِلَى الْقُدس وحلب وَكَانَ يُورد قصصا وحكايات كَثِيرَة وَرُبمَا شَاهد غالبها بِالْعينِ وَكَانَ فِي ذَلِك تَارِيخا برحلين وَكَانَ مُفْرد وقته فِي لعب الشطرنج وَلم يكن فِي عصره مثله فِي مَعْرفَته وَالنَّاس يضْربُونَ بِهِ الْمثل فَيَقُولُونَ لمن يحسن لعبه فلَان يلْعَب مثل الْجُنَيْد وَرُبمَا كَانَ يمازحه بَعضهم بِأَنَّهُ أدْرك وَاضعه لكبر سنه ومهارته فِيهِ وَمِمَّا قيل فِيهِ وَكَانَ كَمَا وصف أصفر اللِّحْيَة
(رب شخص بلحية نارنجي ... قَدمته نضيلة الشطرنج)
وَكَانَ يكتم سنه فَإِذا ألح عَلَيْهِ فِي السُّؤَال ملح لم يزده على أَن سني عظم ويتمثل كثيرا بقول أبي الْعَلَاء الْبَغْدَادِيّ
(احفظ لسَانك لَا تبح بِثَلَاثَة ... سنّ وَمَال مَا اسْتَطَعْت وَمذهب)
(فعلى الثَّلَاثَة تبتلى بِثَلَاثَة ... بمكفر وبفاضح ومكذب)
وَكَانَ يجْرِي لأدباء دمشق مَعَه مداعبات ومطارحات من أنفس مَا يسامر بِهِ فَمن ذَلِك مَا قَالَه فِيهِ الأديب إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الأكرمي الْمُقدم ذكره وَكَانَ لَهُ رَفِيق يلقب بالقطب
(الشَّام أضحت أحوالها عجبا ... فِي دَهْرنَا والأمور أَسبَاب)
(القطب فِيهَا بالعشق مشتهر ... لَا يستحي والجنيد دباب)
وَقَالَ فِيهِ أَيْضا هَذِه الأبيات وفيهَا إِشَارَة إِلَى مَا كَانَ فِيهِ من الشره فِي الْأكل وَيخرج مِنْهَا لفظ جُنَيْد بطرِيق النعمية
(وَذي شَره مغرم بِالطَّعَامِ ... يسير على بَطْنه أَي سير)
(ترَاهُ إِذا مد زاهي الطَّعَام ... وصف بأنواع لطف وَخير)
(يمد يداجن من قبلهَا ... ويخلط كل الطَّعَام بِغَيْر)
وَنقل عَنهُ أَنه حضر فِي ضِيَافَة عِنْد أحد الْأَعْيَان بِدِمَشْق فخلط فِي الطَّعَام على عَادَته فَأنْكر فعله بعض من كَانَ فِي الْمجْلس فَلَمَّا تنبه لإنكاره أنْشدهُ قَول الحريري
(سامح أَخَاك إِذا خلط ... )
فذيل لَهُ الْمُنكر هَذَا المصراع بقوله فِي الرز والزردا فَقَط والرز لُغَة فِي الْأرز وَيُقَال رز وأرز مثل كتب وزرنز وَحكى لي وَالِدي المرحوم أَنه