للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَائِم وَأَن الْيَوْم يَوْم الْجُمُعَة وَمن عادتكم ترك الْقِرَاءَة فِي الْجمع فَقَالَ لَهَا لي حَاجَة مهمة أَخَاف من التعويق بِسَبَبِهَا عَن درس غَد فَرَجَعت الْجَارِيَة إِلَى الدَّار ونبهت الْأَمِير يحيى فَخرج مسرعا إِلَى الشَّيْخ وتلقاه وَسلم عَلَيْهِ وَتوجه هُوَ إِلَى قَضَاء الْحَاجة فَلَمَّا دخل بَيت الرَّاحَة تبعه الشَّيْخ وَأشهر سكينا ومسكه بعنف وَطَرحه على الأَرْض وذبحه وَخرج من الدَّار هَارِبا يُرِيد الْخَلَاص وَلم يكن فِي الدَّار إِلَّا الْجَارِيَة ففطنت للأمير وَخرجت خَلفه إِلَى الطَّرِيق وَنَادَتْ بِأَعْلَى صَوتهَا يَا قوم الشَّيْخ ذبح الْأَمِير يحيى فأدركوه من جَمِيع الْجِهَات وَأَحَاطُوا بِهِ فقاتل مَعَ النَّاس قتالا شَدِيدا وَقتل ثَلَاثَة رجال ثمَّ ضربه رجل من الْعَوام بِحجر كَبِير على ظَهره فَسقط مغشيا عَلَيْهِ فمسكوه ثمَّ أحضروه بَين يَدي الْأَمِير حسن فَسَأَلَهُ عَن سَبَب ذَلِك فَلم ينْطق بِحرف فَأمر بإحراقه فَجمعُوا حطبا وأوقدوه ثمَّ ألقوه فِي النَّار فَاحْتَرَقَ وَعجل بِرُوحِهِ إِلَى النَّار وَالَّذِي يظْهر أَن قَتله لَهُ إِنَّمَا كَانَ عَن ولوع وهيام وَرَأى أَنه إِذا قَتله يقتل بِهِ فيخلص مِمَّا كَانَ فِيهِ من الْمَشَقَّة والألم ونظم الْأَمِير حسن هَذِه الْوَاقِعَة فِي قصيدة يرثي بهَا الْأَمِير يحيى وأثبتها برمتها لغرابتها فِي بَابهَا وتضمنها مثل هَذِه الْوَاقِعَة العجيبة وَهِي قَوْله

(عجبت لمن أَمْسَى يؤهل أَن يحيى ... بصفو وَربع الْأنس قد هده يحيى)

(هِلَال قبيل التم وافى محاقه ... وَسَار إِلَى الْأُخْرَى فأظلمت الدُّنْيَا)

(وغصن ذَوي من قبل أَن يُثمر المنى ... كَأَن الْأَمَانِي قاطعات على المنيا)

(وَأصْبح روض الْعَيْش أغبر يَابسا ... وَعوض قبر بعد دوحته الْعليا)

(أَتَاهُ الردى مِمَّن تربى بفضله ... فقد لح فِي كفران نعْمَته بغيا)

(أقيم عَلَيْهِ حارسا رَاعيا لَهُ ... وَقَالُوا لَهُ رعيا فَقَالَ لَهُم نعيا)

(وَمن وضع الْإِحْسَان فِي غير أَهله ... فَمن كَفه فِي عُنُقه وضع المديا)

(وَمن يَجْعَل السرحان للظبي رَاعيا ... فَلَا يلم السرحان أَن قتل الظبيا)

(وَمَا هَذِه الْأَمْثَال إِلَّا وَسِيلَة ... أسلى بهَا قلبا سلاه الجوى سليا)

(وَإِلَّا الْقَضَاء الحتم إِن حل بالورى ... فأبصرهم أعمى وأحذقهم أعيا)

(وَمَا لم يكن من جَانب الله حَافظ ... فَلَا ترج بالأشياء أَن تحفظ الأشيا)

(فقد يشرق الرِّيق الْفَتى وَهُوَ عونه ... ويبري الحسام العضب صَاحبه بريا)

(وَقد يفجأ الْمَوْت الْفَتى وَهُوَ آمن ... أينجو ونار الْحَرْب قد صليت صليا)

(وَيدْرك عِنْد الْيَأْس مَا العَبْد طَالب ... وَيحرم عِنْد الرشد مِمَّا لَهُ غيا)

<<  <  ج: ص:  >  >>