للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشَّبَاب يتأهب والشيب يتلهب شنف الأسماع بجواهر وعظه فليّن الْقُلُوب القاسية وأبرز خرائد حفظه فَذكر النُّفُوس الناسية بَعْدَمَا كَانَ يخرج فِي الْعشْرَة عَن القشرة فِي أَيَّامه الْمَاضِيَة وَمِمَّا وقفت عَلَيْهِ من آثاره هَذِه الرسَالَة جَوَابا عَن رِسَالَة أرسلها إِلَيْهِ بعض أحبابه موشحة بعتابه يذكرهُ تراضع الكاس فِي أَيَّام الإيناس فَأَجَابَهُ بقوله

(مَضَت الشبيبة والحبيبة فانبرى ... دمعان فِي الأجفان يزدحمان)

(مَا أنصفتني الحادثات رمينني ... بمودّعين وَلَيْسَ لي قلبان)

وَردت رِسَالَتك الآمرة بالطيش المحسنة للانطلاق إِلَى نهب طيب الْعَيْش

(فَقلت لَهَا أَهلا وسهلا ومرحبا ... بلطف حبيب زار عَن غير موعد)

على أَنَّهَا وَردت رامزة إِلَى الْغَفْلَة عَن الإخوان مشيرة إِلَى نِسْيَان الْأَحِبَّة والخلان فكلا ثمَّ كلا وَالله مَا تبِعت فِي نِسْيَان الْأَحِبَّة الْهوى وَبِاللَّهِ إِنِّي صَاحبكُم وَمَا ضل صَاحبكُم وَمَا غوى

(تجنوني ذنوباً مَا جنتها ... يداي وَلَا أمرت وَلَا نهيت)

وَمَعَ ذَلِك

(فَلَو كَانَ هَذَا مَوضِع العتب لاشتفى ... فُؤَادِي وَلَكِن للعتاب مَوَاضِع)

وَلَئِن حصل فِي مُدَّة الْأَجَل انفساح لنعملنّ بقول الصّلاح

(لَزِمت بَيْتِي كلزوم الْبَنَّا ... للْفِعْل والحرف على الأَصْل)

(وَاسْتَوْحَشْت نَفسِي حَتَّى لقد ... تنفر لَو أمكن من ظِلِّي)

وَهَذَا مُجمل يعسر تَفْصِيله وَحكم يصعب تَعْلِيله وَأما مَا أشرتم إِلَيْهِ بِمَا قَالَ أَبُو نواس وَالْعَمَل بقوله من ارتضاع الكأس فقبول لَو كَانَت منَازِل الشَّبَاب آهلة وأوقات الْهوى لصفاء الْعَيْش قَابِلَة وَلَكِن بعد نزُول الشيب والإنذار من عَالم الْغَيْب لَا مجَال لمصافحة بنت الدنان وَلَو أَنَّهَا بمشافهة الصفاح والسنان

(صَحا الْقلب عَن سلمى وأقصر باطله ... وعرّى أَفْرَاس الصِّبَا ورواحله)

نعم قد جلت فِي أَيَّام الشَّبَاب بميدان الصِّبَا فَمَا عثر طرفِي فِي قَضَاء وطر وَلَا كبا

(وَلَقَد نهزت مَعَ الغواة بدلوهم ... وأسمت سرح الطّرق حَيْثُ أساموا)

(وَبَلغت مَا بلغ امْرُؤ بشبابه ... فَإِذا عصارة كل ذَاك أثام)

وَأما الْآن فَإِنِّي أَقُول

<<  <  ج: ص:  >  >>