للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكَانَ بَينه وَبَين أَحْمد بن شاهين مَوَدَّة أكيدة ومشيخة وتلمذة لِأَن الشاهيني تلميذ البوريني فَوَقع بَينه وَبَينه بِسَبَب أَن الشاهيني كَانَ نظم قصيدة مدح بهَا صنع الله المفعي لما ورد الشَّام مطْلعهَا

(حَيّ الْمنَازل بالنقا فزرود ... فالرقمتين فعهدنا الْمَعْهُود)

فنسبه البويني فِيهَا إِلَى الإنتحال وَجرى بذلك بَينهمَا شَحْنَاء وتقاطع وخاطبه الشاهيني بقصيدة طَوِيلَة مطْلعهَا

(قف بِي فلى أثر الحدوج حنين ... وَمن الصبابة طَاهِر وكمين)

وأعقبها برسالة من انشائه المعجب ذكرهمَا البوريني فِي تَرْجَمته واجتمعا يَوْمًا فِي مجْلِس فَقَالَ لَهُ الشاهيني القصيدة المنحولة صدرت عَن طبع نَشأ فِي الرياض بَين لَا كمام لَا عَن طبع نَشأ فِي الْقرى بَين الآكام واجتمعا مرّة أُخْرَى فَنَاوَلَهُ الشاهيني لغزا صنعه فِي سكين فَلَمَّا فطن لَهُ قَالَ قد صَعب عَليّ استخراجه وَمن مقولاتهم الْمَعْنى فِي بطن الشَّاعِر وَكَانَ غَالب أَعْيَان الشَّام من الْعلمَاء يَغُضُّونَ من البوريني الإنطلاق لِسَانه ورربما أوقعوه فِي مكروهات من القَوْل وَالْفِعْل وازدروا بِهِ وَسعوا فِي توهِينه وَكَانَ كثير التيقظ لمكايدهم حكى أَن بعض وزراء الشَّام أقبل عَلَيْهِ واتخذه نديم مَجْلِسه وَكَانَ يُبَالغ فِي توقيره وتعظيمه فقصدوا توهِينه عِنْده فَاجْتمعُوا يَوْمًا فِي دَار الْحُكُومَة البوريني مَعَهم فأرسلوا إِلَى وَالِده يتطلبوه إِلَى الْوَزير بِنَاء على أَن الْوَزير استدعاء وَكَانَ رث الْهَيْئَة فِي زِيّ عوام السوقة كَمَا سلف فَلم يشْعر البوريني إِلَّا وَأَبوهُ مقبل فَنَهَضَ من مَقْعَده مسرعا واستقبله وَقبل يَده ثمَّ جَاءَ إِلَى الْوَزير وَقَالَ لَهُ حلت عَلَيْكُم الْبركَة بقدوم وَالِدي فَإِنَّهُ بركَة هَذَا الْوَقْت الصوام القوام الكذا والكذا فَنَهَضَ الْوَزير وَقبل يَده وَأَجْلسهُ وَبَالغ فِي تَعْظِيمه فَانْقَلَبَ أَعْيَان أُولَئِكَ وَلم يعودوا إِلَى مثلهَا وَهَكَذَا كَانَ البوريني صَاحب بذرقة فِي تعبيراته وأشعاره كَثِيرَة أخرجت مِنْهَا محاسنها وأثبتها هُنَا وَمَا محَاسِن شَيْء كُله حسن فَمن ذَلِك قَوْله وَقد تبع فِيهِ الشُّعَرَاء الأقدمين

(وَكُنَّا كغصني بانة قد تألفا ... على دوحة حَتَّى استطالا وأينعا)

(يغنيهما صدح الْحمام مرجعا ... ويسقيهما كأس السحائب مترعا)

(سليمين من خطب الزَّمَان إِذا سَطَا ... خليين من قَول الحسود إِذا سعى)

(ففارقني من غير ذَنْب جئيته ... وَأبقى بقلبي حرقة وتوجعا)

<<  <  ج: ص:  >  >>