وَسَأَلته عَن نُكْتَة تَخْصِيص الْمُؤمن فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام اتَّقوا فراسة الْمُؤمن فَإِنَّهُ ينظر بِنور الله فَأجَاب مرتجلاً
(الْجِسْم بَيت وقنديل الْفُؤَاد بِهِ ... والقبة الرَّأْس فِيهَا المقلة الْجَام)
(فَإِن غَدا فِيهِ نور الْحق متقداً ... أَضَاء أَرْكَانه والجام نمام)
(فالعارفون بِنور الله إِذْ نظرُوا ... صحت فراستهم وَالنَّاس أَقسَام)
وَركبت مَعَه الْبَحْر يَوْمًا فِي زورق وتوجهنا إِلَى الْمَكَان الْمَعْرُوف ببشكطاش فَأَنْشَدته بالمناسبة قَول ابْن ملطية
(وزورق أبصرته عائماً ... وَقد تمطى ظهر دأماء)
(كَأَنَّهُ فِي شكله طَائِر ... مدّ جناحيه على المَاء)
ثمَّ انجرت المصاحبة إِلَى تعداد أَنْوَاع السفن وأسمائها حَتَّى ذكر الْغُرَاب وَهُوَ الْمركب الطَّوِيل الَّذِي يسير بالمجاديف فَأَنْشد فِيهِ قَول ابْن الساعاتي
(وَلَقَد ركبت الْبَحْر وَهُوَ كحلبة ... وَالْمَوْت تحسبه جياداً تركض)
(كم من غراب للقطيعة أسود ... فِيهِ يطير بِهِ جنَاح أَبيض)
ثمَّ ذكر لي أَن بعض النَّاس توهم أَن تَسْمِيَة هَذَا النَّوْع من السفن بالغراب مترجم عَن اسْمه بالتركية لِأَن اسْمهَا عِنْدهم تادرغة فظنها قارغة وَهُوَ بالتركية الْغُرَاب قَالَ وَأقَام المتوهم النكير على المترجم من كَونه وهم لتقارب الْأَلْفَاظ اتِّفَاقًا وَلم يدر أَن مَا قَالَه هُوَ الْوَهم بل وَجه الْمُنَاسبَة فِي التَّسْمِيَة أَنَّهَا شبهت بالغراب لسوادها وَشبه المجاديف بالأجنحة وَهُوَ حسن ثمَّ رَأَيْت هَذَا الْكَلَام لِلشِّهَابِ الخفاجي فِي كِتَابه طراز الْمجَالِس فَرَاجعه إِن شِئْت وَكتب إليّ هَذِه الأبيات مداعباً فِي أَيَّام برد الْعَجُوز
(بفض بكر وَبشر الْعَجُوز ... يدْفع بعض النَّاس برد الْعَجُوز)
(وَنحن قوم مَا لنا ثروة ... وَلَا نرى فِي الشَّرْع مَا لَا يجوز)
(قهوتنا قهوة بن زكتْ ... تعيد أَيَّام الصِّبَا للعجوز)
(وَعِنْدنَا كانون جمر لقد ... أعَاد فِي كانون قيظا تموز)
(وصحبة طوع يدا للهولا ... تفرقهم أَن خلطوا بالعنوز)
(فانهض إِلَيْنَا نغتنم صُحْبَة ... فالزمن الْجَانِي سريع النُّشُوز)
(وَأعرف النَّاس بِهِ عَاقل ... بلذة قبل التقضي يفوز)