جدلي برهاني للخواص، ودليل للعوام، فبين لهم أولا أنه ادّعى أمرا ممكنا، (واستدلّ عليه لهم بدليل برهاني) خاص بالخواص، ثم استدلّ لهم الآن بالدليل الّذي يفهمه العوام، وهو أنّه إنّما (ادّعى) أمرا تكرر أمثاله قبله فلم يأتكم بأمر غريب فهو ممكن عقلا، (واقع) أمثاله بالمشاهدة، فحقكم أن تنظروا في معجزته فتؤمنوا به.
فإن قلت: ما أفاد «مِن بَعْدِهِ» مع أنّ (القبلية) تفيد معنى البعدية؟
قلت: لإفائدة أول أزمنة البعدية إشارة إلى أنّ موسى عليه السلام من حين أرسله لم تزل شريعته باقية معمولا بها حتى أرسل رسولا آخرا فكان مقرر لها كيوشع بن نون أو ناسخا كعيسى. وعين موسى وعيسى دون غيرهما إما لأن المخاطبين بهذه الآية اليهود والنصارى، أو لأن المتبعين لشريعة موسى وعيسى باقون قيام الساعة، ولم يبق أحد (ممن) تشرع بشريعة غيرهما من الأنبياء.
فإن قلت: لِم خصّص عيسى بذكر (الآيات) البينات؟
قلنا لوجهين: إما لأنه بَشّر بنبينا سيدنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حيث قال: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسمه