البَأْسَاءُ هو الفقر، والضَّرّاءُ هو المرض، وحين البأس أي حين القتال وهذا ترق، لأن وقوع الفقر والحاجة (في) الناس أكثر من وقوع القتال فالصبّر على القتال أشد لغرابته، وقلة وقوعه، ودونه الصبر على المرض ودونه الصبر على الفقر، ولهذا تجد الفقراء الأصحاء أكثر عددا من المرضى، والمرضى أكثر عددا من الفرسان المقاتلين.
فإن قلت: لم قال «في البأساء» فعداه بفي ولم يقل وفي البأس وكان يقال: والصابرين حين البأساء وحين الضراء؟
فالجواب عن ذلك: أنه لما كان وقوع القتال أقلها وجودا بالنسبة إلى غيره كان الصبر عليه أغرب وأعجب فالمراد بالصابرين من حصل الوصف الكامل من الصبر ولو عدي بفي لتناول من حصل منه مطلق الصبر، وهو الصابر في أول جزء من أجزاء القتال لأنه حينئذ يصدق بأول جزء، فقيل:«وَحِينَ البَأْسِ»(ليفيد) كمال الصبر من أول القتال إلى آخره وأما الفقر والمرض فكلاهما أكثري الوقوع فلا غرابة فيهما فلم يحتج إلى التنبيه على كمال الصبر فيه.
قال سيدنا علي رضي الله تعالى عنه:«الصبر رأس كل عبادة وإذا ذهب رأس الشيء ذهب ذلك الشيء» . وذكر بعضهم أن العهد يكون بالقول وبالفعل كمن يحدث حديثا وهو مترقب (لمن) يسمعه فهذا كالعهد في عدم نقله عنه والتحدث به.