يقتضي تأخير اختلافهم عن الانزال وعدم تقدمه عليه لأنه مقرون بأداة الحصر كما قال في سورة الجاثية {وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأمر فَمَا اختلفوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ العلم بَغْياً بَيْنَهُمْ} وهذا كله على قولهم: إن الضمير المجرور في قوله {وَمَا اختلف} عائد على ما عاد عليه قوله تعالى: {فِيمَا اختلفوا فِيهِ} .
قال ابن عرفة: اختلفوا قبل وبعد.
قلت: اختلفوا قبله اختلافا ضعيفا فلما ورد الكتاب والدلائل أعمى الله بصائرهم فاستنبطوا به شبهات كانت سببا في تعنتهم وضلالهم واختلافهم كمن يقرأ أصول الدين ليهتدي فيضل وكان قبل على الصواب فاختلافهم المعتبر إنما هو بعد الآيات وما قبل ذلك لا عبرة له.
قلت: فهذا يحسن جوابا والله أعلم، قال الله تعالى {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً} ووافقني عليه بعضهم وقال: تكون من عود الضمير على اللفظ فقط نحو: عندي درهم ونصفه.
قوله تعالى:{فَهَدَى الله ... } .
العطف بالفاء إشارة على سرعة هدايته للمؤمنين بعقب الاختلاف فإن يكن اختلافهم في الفروع فيحسن أن يكون {وَمَا اختلف فِيهِ} بعض الحق وإن يكن من الاعتقاد فهو كل الحق لا بعضه.
قوله تعالى:{لِمَا اختلفوا فِيهِ مِنَ الحق بِإِذْنِهِ ... } .
قال ابن عرفة: الصّواب أن معناه بقدرته وإن كان مجازا فهو أولى من أن يقال بعلمه أو بأمره ليكون فيه حجة على المعتزلة.