قال ابن عرفة: وتقدم لنا سؤال وهو أنه تسلط النفي هنا على الأخص دون الأعم فلو قيل: ولا يعلمون شيئا من علمنا بل علمه إلا ما شاء لكان أبلغ لأن الإحاطة بعلم الشيء أخص من مطلق علمه.
قال: والجواب أنّا إن قلنا: إن العلوم كلها متساوية فلا فرق بين الإحاطة وعدمها.
وإن قلنا: إنها غير متساوية فالسؤال وارد.
وعادتهم يجيبون بأن (الآية) خرجت مخرج التمدح. والعلوم قسمان: ضرورية ونظرية، فالضرورية لا يقع عليها مدح ولا ذم لأنها جبرية يستوي فيها كل الناس وإنما يقع المدح على العلوم النظرية وهي لا تحصل إلاّ بالإحاطة لأنها ناشئة عن مقدمتين والعلم بالمقدمتين مستلزم الإحاطة بعلم النتيجة، فالإحاطة بها وعلمها (متساويان) .
قيل لابن عرفة: الآية دالة أن المعدوم (يصدق) عليه شيء لأنّا إن لم نجعله داخلا تحت مسمى شيء لزم إبطال العمل بمفهوم الصّفة لأنّه يكون مفهوم الآية (أنهم) يحيطون بالمعدوم من (تعلق) علمه وهذا كفر؟
فأجاب: بأنه مفهوم أحرى لأنهم إذا لم يحيطوا بالموجود فأحرى المعدوم.
قلت: وقال بعضهم: إن هذا السؤال غير وارد لأن المعنى إلا بما شاء أن يحيطوا به فإنهم محيطون به ولا يلزم منه نفي تعلق المشيئة بالمعدوم بل يبقى الأمر مسكوتا عنه فلا يلزم تعلق الحكم بنفيه ولا بإثباته.