قَالَ فَإِن كَانَ الْجِدَال للوقوف على الْحق وَتَقْرِيره كَانَ مَحْمُودًا وَإِن كَانَ فِي مدافعة الْحق أَو كَانَ جدالاً بِغَيْر علم كَانَ مذموماً وعَلى هَذَا التَّفْصِيل تنزل النُّصُوص الْوَارِدَة فِي إِبَاحَته وذمه والمجادلة والجدال بِمَعْنى وَاحِد قَالَ بَعضهم مَا رَأَيْت شَيْئا أذهب للدين وَلَا أنقص للمروءة وَلَا أشغل للقلب من الْخُصُومَة (فَإِن قلت) لَا بُد للْإنْسَان من الْخُصُومَة لِاسْتِيفَاء حُقُوقه (فَالْجَوَاب) مَا أجَاب بِهِ الْغَزالِيّ رَحمَه الله اعْلَم أَن الذَّم المتأكد إِنَّمَا هُوَ لمن خَاصم بِالْبَاطِلِ وَبِغير علم كوكيل القَاضِي فَإِنَّهُ يتوكل فِي الْخُصُومَة قبل أَن يعرف الْحق فِي أَي جَانب هُوَ فيخاصم بِغَيْر علم وَيدخل فِي الذَّم أَيْضا من يطْلب حَقه لِأَنَّهُ لَا يقْتَصر على قدر الْحَاجة بل يظْهر اللدد وَالْكذب والإيذاء والتسليط على خَصمه كَذَلِك من خلط بِالْخُصُومَةِ كَلِمَات تؤذي وَلَيْسَ لَهُ إِلَيْهَا حَاجَة فِي تَحْصِيل حَقه كَذَلِك من يحملهُ على الْخُصُومَة مَحْض العناد لقهر الْخصم وكسره فَهَذَا هُوَ المذموم وَأما الْمَظْلُوم الَّذِي ينصر حجَّته بطرِيق الشَّرْع من غير لدد وإسراف وَزِيَادَة لجاج على الْحَاجة من غير قصد عناد وَلَا إِيذَاء فَفعل هَذَا لَيْسَ حَرَامًا وَلَكِن الأولى تَركه مَا وجد إِلَيْهِ سَبِيلا لِأَن ضبط اللِّسَان فِي الْخُصُومَة على حد الاعتدال مُتَعَذر وَالْخُصُومَة توغر الصُّدُور وتهيج الْغَضَب وَإِذا هاج الْغَضَب حصل الحقد بَينهمَا حَتَّى يفرح كل وَاحِد مِنْهُمَا بمساءة الأخر ويحزن لمسرته وَيُطلق لِسَانه فِي عرضه فَمن خَاصم فقد تعرض لهَذِهِ الْآفَات وَأَقل مَا فِيهَا اشْتِغَال الْقلب حَتَّى أَنه يكون فِي صلَاته وخاطره مُتَعَلق بالمحاججة وَالْخُصُومَة فَلَا تبقى حَاله على الاسْتقَامَة وَالْخُصُومَة مبدأ الشَّرّ وَكَذَا الْجِدَال والمراء فَيَنْبَغِي للْإنْسَان أَلا يفتح عَلَيْهِ بَاب الْخُصُومَة إِلَّا لضَرُورَة لَا بُد مِنْهَا روينَا فِي كتاب التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute