الْأَلْبَاب اللَّهُمَّ فارشدنا الى الْحق واهدنا الى الصَّوَاب انك أَنْت الْكَرِيم الْوَهَّاب
وعَلى الْجُمْلَة فالغالب على مجتهدي أهل الاسلام الصَّوَاب وهم متقاربون فِي مِقْدَار الْخَطَأ فَخَيرهمْ أقلهم خطأ ويليه الْمُتَوَسّط فِي الْخَطَأ ويليه أَكْثَرهم خطأ وَالله يخْتَص برحمته من يَشَاء وَأكْثر مَا يَقع الْخَطَأ من الْغَفْلَة عَن مُلَاحظَة بعض الْقَوَاعِد وملاحظة بعض الْأَركان والشرائط وملاحظة الْمعَارض ومطلوب الْكل التَّقَرُّب الى الله باصابة الْحق وَلَكِن ... مَا كل مَا يتَمَنَّى الْمَرْء يُدْرِكهُ ... تجْرِي الرِّيَاح بِمَا لَا تشْتَهي السفن ...
وَقَالَ أَيْضا مُعظم النَّاس خاسرون وَأَقلهمْ رابحون فَمن أَرَادَ أَن ينظر فِي خسره وَربحه فليعرض نَفسه على الْكتاب وَالسّنة فَإِذا وافقهما فَهُوَ الرابح إِن صدق ظَنّه فِي موافقتهما وَإِن كذب ظَنّه فيا حسرة عَلَيْهِ وَقد أخبر الله تَعَالَى بخسارة الخاسرين وَربح الرابحين فأقسم بالعصر إِن الْإِنْسَان لفي خسر إِلَّا من جمع أَرْبَعَة أَوْصَاف أَحدهَا الْإِيمَان وَالثَّانِي الْعَمَل الصَّالح وَالثَّالِث التواصي بِالْحَقِّ وَالرَّابِع التواصي بِالصبرِ وَقد رُوِيَ أَن الصَّحَابَة كَانُوا إِذا اجْتَمعُوا لم يتفرقوا حَتَّى يَقْرَءُوهَا واجتماع هَذِه الْخِصَال فِي الْإِنْسَان عَزِيز نَادِر فِي هَذِه الزَّمَان وَكَيف يتَحَقَّق الْإِنْسَان أَنه جَامع لهَذِهِ الصِّفَات الَّتِي أقسم الله تَعَالَى بخسران من خرج عَنْهَا وَبعد مِنْهَا مَعَ علمه بقبح أَحْوَاله وَسُوء أَعماله وَكم من عَاص يظنّ أَنه مُطِيع وبعيد يظنّ أَنه قريب ومخالف يعْتَقد أَنه مُوَافق وَمن متهتك يعْتَقد أَنه متنسك وَمن مُدبر يعْتَقد أَنه مقبل وَمن هارب يعْتَقد أَنه طَالب وَمن جَاهِل يعْتَقد أَنه عَارِف وَمن آمن يعْتَقد أَنه خَائِف وَمن مراء يعْتَقد أَنه مخلص وَمن ضال يعْتَقد أَنه مهتد وَمن عَم يعْتَقد أَنه مبصر وَمن رَاغِب يعْتَقد أَنه زاهد كم من عمل يعْتَقد عَلَيْهِ الْمرَائِي وَهُوَ وبال عَلَيْهِ وَمن طَاعَة يهْلك بهَا المسمع وَهِي مَرْدُودَة إِلَيْهِ وَالشَّرْع ميزَان يُوزن بِهِ الرِّجَال وَبِه يتَبَيَّن الرِّبْح من الخسران فَمن رجح فِي ميزَان الشَّرْع كَانَ من أَوْلِيَاء الله وتختلف مَرَاتِب الرجحان فأعلاها مَرَاتِب الْأَنْبِيَاء فَمن دونهم وَلَا تزَال الرتب تتناقص إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى أقل مَرَاتِب الرجحان وَمن نقص فِي ميزَان الشَّرْع فَأُولَئِك أهل الخسران وتتفاوت خفتهم فِي الْمِيزَان فأخسها مرتبَة الْكفَّار وَلَا تزَال الْمَرَاتِب تتناقص حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى مرتبَة مرتكب أَصْغَر الصَّغَائِر فَإِذا رَأَيْت إنْسَانا يطير فِي الْهَوَاء أَو يمشي على المَاء أَو يخبر عَن المغيبات ثمَّ يُخَالف الشَّرْع بارتكاب الْمُحرمَات بِغَيْر سَبَب مُحَلل وَيتْرك الْوَاجِبَات بِغَيْر سَبَب مجوز فَاعْلَم أَنه شَيْطَان نَصبه الله فتْنَة للجهلة وَلَيْسَ ذَلِك بَعيدا من الْأَسْبَاب الَّتِي وَضعهَا الله تَعَالَى للضلال فَإِن الدَّجَّال يحيي وَيُمِيت فتْنَة لأهل الضلال وَكَذَلِكَ يَأْتِي الخزنة فتبثه كنوزها كيعاسيب النَّحْل وَكَذَلِكَ يظْهر للنَّاس أَن مَعَه جنَّة وَنَارًا وناره جنَّة وجنته نَار وَكَذَلِكَ من يَأْكُل الْحَيَّات وَيدخل النيرَان فَإِنَّهُ مرتكب لِلْحَرَامِ يَأْكُل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute