وَلَكِن المفضلون فِي الْعَصْر الْمُتَقَدّم أَكثر من المفضلين فِي الْعَصْر الْمُتَأَخر وَهَكَذَا الصَّوَاب فِي أَقْوَالهم أَكثر من الصَّوَاب فِي أَقْوَال من بعدهمْ فَإِن التَّفَاوُت بَين عُلُوم الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين كالتفاوت الَّذِي بَينهم فِي الْفضل والرأي وَلَعَلَّه لَا يسع الْمُفْتِي وَالْحَاكِم عِنْد الله أَن يُفْتِي وَيحكم بقول فلَان وَفُلَان من الْمُتَأَخِّرين من مقلدي الْأَئِمَّة وَيَأْخُذ بِرَأْيهِ وترجيحه وَيتْرك الْفَتْوَى وَالْحكم بقول البُخَارِيّ وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَمُحَمّد بن نصر الْمروزِي وأمثالهم بل يتْرك قَول ابْن الْمُبَارك وَالْأَوْزَاعِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَحَمَّاد بن زيد وَحَمَّاد بن سَلمَة وأمثالهم بل لَا يلْتَفت غلى قَول ابْن أبي ذِئْب وَالزهْرِيّ وَاللَّيْث بن سعد وأمثالهم بل لَا يعد قَول سعيد ابْن الْمسيب وَالْحسن وَالقَاسِم وَسَالم وَعَطَاء وَطَاوُس وَجَابِر بن زيد وَشُرَيْح وَأبي وَائِل وجعفر ابْن مُحَمَّد وأضرابهم مِمَّا يسوغ الْأَخْذ بِهِ بل يرى قَول الْمُتَأَخِّرين من أَتبَاع من قَلّدهُ مقدما على فَتْوَى أبي بكر الصّديق وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَابْن مَسْعُود وَأبي بن كَعْب وَأبي الدَّرْدَاء وَزيد ابْن ثَابت وعبد الله بن عَبَّاس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وَعبادَة بن الصَّامِت وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وأضرابهم فَلَا يدْرِي مَا عذرهمْ غَدا عِنْد الله عز وَجل إِذا سوى بَين أَقْوَال أُولَئِكَ وفتاواهم وأقوال هَؤُلَاءِ وفتاواهم فَكيف إِذا رجحها عَلَيْهَا فَكيف إِذا عين الْأَخْذ بهَا حكما وإفتاءا وَمنع الْأَخْذ بقول الصَّحَابَة واستجاز عُقُوبَة من خَالف من الْمُتَأَخِّرين لَهَا وَحكم عَلَيْهِ بالبدعة والضلالة وَمُخَالفَة أهل الْعلم وَأَنه يكيد الْإِسْلَام تالله لقد أَخذ بِالْمثلِ الْمَشْهُور رمتني بدائها وانسلت وَسمي وَرَثَة الرَّسُول باسمه هُوَ وكساهم أثوابه وَرَمَاهُمْ بدائه وَكثير من هَؤُلَاءِ يُصَرح ويصرخ وَيَقُول ويعلن أَنه يجب على الْأمة كلهم الْأَخْذ بقول من قلدناه ديننَا وَلَا يجوز الْأَخْذ بقول أبي بكر وَعمر عُثْمَان وَعلي وَغَيرهم من الصَّحَابَة وَهَذَا كَلَام من أَخذ بِهِ وتقلده ولاه الله مَا تولى ويجزيه عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة الْجَزَاء الأوفى وَالَّذِي ندين الله بِهِ ضد هَذَا القَوْل وَالرَّدّ عَلَيْهِ فَنَقُول
إِذا قَالَ الصَّحَابِيّ قولا فإمَّا أَن يُخَالِفهُ صَحَابِيّ آخر أَو لَا يُخَالِفهُ فَإِن خَالفه مثله لم يكن قَول أَحدهمَا حجَّة على الآخر وَإِن خَالفه أعلم مِنْهُ كَمَا إِذا خَالف الْخُلَفَاء الرَّاشِدين أَو بَعضهم غَيرهم من الصَّحَابَة فِي حكم فَهَل يكون الشق الَّذِي فِي الْخُلَفَاء الراشدون أَو بَعضهم حجَّة على الآخرين