المريد الصَّادِق مَا نَصه قَالَ أَبُو إِسْحَاق الشاطبي كل مَا عمل بِهِ المتصوفة المعتبرون فِي هَذَا الشَّأْن يَعْنِي كالجنيد وَأَمْثَاله لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون مِمَّا ثَبت لَهُ أصل فِي الشَّرِيعَة فهم حلفاؤه كَمَا أَن السّلف من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ حلفاء بذلك وَإِن لم يكن لَهُ أصل فِي الشَّرِيعَة فَلَا أعمل عَلَيْهِ لِأَن السّنة حجَّة على جَمِيع الْأمة وَلَيْسَ عمل أحد من الْأمة حجَّة على السّنة لِأَن السّنة معصومة عَن الْخَطَأ وصاحبها مَعْصُوم وَسَائِر الْأمة لم تثبت لَهُم الْعِصْمَة إِلَّا مَعَ إِجْمَاعهم خَاصَّة وَإِذا أَجمعُوا تضمن إِجْمَاعهم دَلِيلا شَرْعِيًّا فالصوفية والمجتهدون كغيرهم مِمَّن لم يثبت لَهُم الْعِصْمَة وَيجوز لَهُم الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَالْمَعْصِيَة كبيرها وصغيرها والبدعة محرمها ومكروهها وَلذَا قَالَ الْعلمَاء كل كَلَام مِنْهُ مَأْخُوذ وَمِنْه مَتْرُوك إِلَّا مَا كَانَ من كَلَامه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ وَقد قرر ذَلِك الْقشيرِي رَحمَه الله أحسن تَقْرِير فَقَالَ فَإِن قيل فَهَل يكون الْوَلِيّ مَعْصُوما قيل أما وجوبا كَمَا يكون للأنبياء فَلَا وَأما أَن يكون مَحْفُوظًا حَتَّى لَا يصر على الذُّنُوب وَإِن حصلت منهيات أَو زلات فِي أَوْقَات فَلَا يمْنَع فِي وَصفهم قَالَ وَلَقَد قيل للجنيد الْعَارِف يَزْنِي فَأَطْرَقَ مَلِيًّا ثمَّ رفع رَأسه وَقَالَ {وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا} وَقَالَ فَهَذَا كَلَام منصف فَكَمَا يجوز على غَيرهم الْمعاصِي بالابتداع وَغير ذَلِك وَيجوز عَلَيْهِم الْبدع فَالْوَاجِب علينا أَن نقف مَعَ الِاقْتِدَاء بِمن يمْتَنع عَلَيْهِ الْخَطَأ ونقف عَن الِاقْتِدَاء بِمن يجوز عَلَيْهِ إِذا ظهر فِي الِاقْتِدَاء بِهِ إِشْكَال بل يعرض مَا جَاءَ عَن الْأَئِمَّة على الْكتاب وَالسّنة فَمَا قبلاه قبلناه ومالم يقبلاه تَرَكْنَاهُ وَمَا علمنَا بِهِ إِذا قَامَ لنا الدَّلِيل على اتِّبَاع الشَّارِع وَلم يقم لنا الدَّلِيل على اتِّبَاع أَقْوَال الْفُقَهَاء والصوفية وأعمالهم إِلَّا بعد عرضهَا وَبِذَلِك رَضِي شيوخهم علينا وَأَن مَا جَاءَ بِهِ صَاحب الوجد والذوق من الْعُلُوم وَالْأَحْوَال والفهوم يعرض على الْكتاب وَالسّنة فَإِن قبلاه صَحَّ وَإِلَّا لم يَصح
قَالَ ثمَّ نقُول ثَانِيًا إِن نَظرنَا فِي رسومهم الَّتِي حددوها وأعمالهم الَّتِي امتازوا بهَا عَن غَيرهم بِحَسب تَحْسِين الظَّن والتماس احسن المخارج وَلم نَعْرِف لَهُ مخرجا فَالْوَاجِب التَّوَقُّف عَن الِاقْتِدَاء وَإِن كَانُوا من جنس من يقْتَدى بهم لَا ردا لَهُ وَلَا اعتراضا عَلَيْهِ بل لأَنا لم نفهم وَجه رُجُوعه إِلَى الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة كَمَا فهمنا غَيره
ثمَّ قَالَ بعد كَلَام فَوَجَبَ بِحَسب الجريان على آرائهم فِي السلوك أَن لَا يعْمل بِمَا رسموه مِمَّا فِيهِ مُعَارضَة بأدلة الشَّرْع ونكون فِي ذَلِك متبعين لآثارهم مهتدين بأنوارهم خلافًا لمن يعرض عَن الْأَدِلَّة ويجمد على تقليدهم فِيهِ فِيمَا لَا يَصح تقليدهم على مَذْهَبهم فالأدلة الشَّرْعِيَّة والأنظار الْفِقْهِيَّة والرسوم الصُّوفِيَّة تذمه وترده وتحمد من تحرى واحتاط وَتوقف عِنْد الِاشْتِبَاه واستبرأ لدينِهِ وَعرضه وَهُوَ من مَكْنُون الْعلم وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق انْتهى
قلت قد فهمنا من كَلَام هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة أَن كل من قلد وَاحِدًا من الْعلمَاء الْمُجْتَهدين فِي نازلة من
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute