للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والنزع عبارَة عَن مؤلم نزل بِنَفس الرّوح فاستغرق جَمِيع أَجْزَائِهِ حَتَّى لم يبْق جُزْء من أَجزَاء الرّوح الْمُنْتَشِر فِي أعماق الْبدن إِلَّا وَقد حل بِهِ الْأَلَم فَلَو أَصَابَته شَوْكَة فالألم الَّذِي يجده فِي جُزْء من الرّوح يلاقي ذَلِك الْموضع الَّذِي أَصَابَته الشَّوْكَة وَإِنَّمَا يعظم أثر الاحتراق لِأَن أَجزَاء النَّار تغوص فِي سَائِر أَجزَاء الْبدن فَلَا يبْقى جُزْء من الْعُضْو المحرق ظَاهرا وَلَا بَاطِنا إِلَّا وتصيبه النَّار فيحس بِهِ فِي الْأَجْزَاء الروحانية المنتشرة فِي سَائِر أَجزَاء اللَّحْم

وَأما الْجراحَة فَإِنَّهَا تصيب الْموضع الَّذِي يمسهُ الْحَدِيد فَقَط فَكَانَ لذَلِك ألم الْجرْح دون ألم النَّار

فألم النزع يهجم على نفس الرّوح فيستغرق جَمِيع أَجْزَائِهِ فَإِنَّهُ المنزوع والمجذوب من كل عرق من الْعُرُوق وَعصب من الأعصاب وجزء من الْأَجْزَاء ومفصل من المفاصل وَمن أصل كل شَعْرَة وبشرة من الْقرن إِلَى الْقدَم

فَلَا تسْأَل عَن كربه وألمه حَتَّى قَالُوا إِن الْمَوْت أَشد من ضرب بِالسَّيْفِ وَنشر بالمناشير وقرض بِالْمَقَارِيضِ لِأَن قطع الْبدن بِالسَّيْفِ إِنَّمَا يؤلم لتَعَلُّقه بِالروحِ فَكيف إِذا كَانَ المتناول الْمُبَاشر نفس الرّوح

وَإِنَّمَا يستغيث الْمَضْرُوب ويصيح لبَقَاء قُوَّة فِي قلبه وَفِي لِسَانه وَإِنَّمَا انْقَطع صَوت الْمَيِّت وصياحه من شدَّة ألمه وكربه لِأَن الكرب قد بَالغ فِيهِ وتصاعد على قلبه شدَّة ألمه وَغلب على كل مَوضِع مِنْهُ فَهد كل جُزْء وأضعف كل جارحة فَلم يتْرك لَهُ قُوَّة الاستغاثة

أما الْعقل فقد غشيه وشوشه وَأما اللِّسَان فقد أبكمه وَأما الْأَطْرَاف فقد أضعفها

وَيَوَد أَن لَو قدر على الاسْتِرَاحَة بالأنين والصياح والاستغاثة وَلكنه لَا يقدر على ذَلِك فَإِن بقيت فِيهِ قُوَّة سَمِعت لَهُ عِنْد نزع الرّوح وجذبه خوارا وغرغرة من حلقه وصدره وَقد تغير لَونه وأربد حَتَّى كَأَنَّهُ ظهر مِنْهُ التُّرَاب الَّذِي هُوَ أصل خلقته وَقد جذب مِنْهُ كل عرق على حياله فالألم منتشر فِي دَاخله وخارجه حَتَّى ترْتَفع الحدقتان إِلَى أَعلَى جفونه ويتقلص اللِّسَان إِلَى أَصله وترتفع

<<  <   >  >>