كأشْعَارِ العَرَب الَّتِي سَبِيلُهم فِي مَنْظُومِهَا سَبيلُهم فِي مَنْثور كَلَامِهم الَّذِي لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِم فِيهِ.
فَيَنبغي للشاعر فِي عَصْرنا أَن لَا يُظْهِرَ شِعْرَهُ إلَاّ بعد ثِقَتِهِ بجَوْدَتهِ وحُسْنِه وسَلامتهِ من العُيوب الَّتِي نُبِّهَ عَلَيْهَا وأُمِرَ بالتَّحرُّز مِنْهَا، ونُهِيَ عَن استعمَال نَظَائرها. وَلَا يَضَعُ فِي نَفْسِهِ أنّ الشِّعْرَ موضِعُ اضطرارٍ وأنَّهُ يَسْلُك سَبِيلَ من كَانَ قبلَهُ، ويحتجُّ بالأبيات الَّتِي عِيبَتْ على قَائِلهَا، فَلَيْسَ يُقْتَدى بالمُسِيء، وإنَّما الِاقْتِدَاء بالمُحْسِن، وكُلُّ واثقٍ فِيهِ حَجِلٌ إلاّ الْقَلِيل.
وَلَا يُغِير على مَعَاني الشُّعراءِ فيودِعُها شِعرَهُ، ويخرِجُها فِي أوْزانٍ مخالفةٍ لأوَزانِ الأشْعار الَّتِي يَتَناولُ مِنْهَا مَا يَتَنَاولُ، ويَتوهَّمُ أنَّ تَغْييرهُ للألَفَاظ والأوزَانِ مِمَّا يَسْتُر سَرقَتَهُ أَو يُوجِبُ لَهُ فَضِيلةً، بل يُديم النَّظَرَ فِي الْأَشْعَار الَّتِي قد اخترنَاهَا لتَلصَق مَعَانِيهَا بفَهْمِهِ، وتَرْسَخَ أصُولها فِي قَلْبهِ، وتَصِيرَ موادَّ لطَبْعهِ، ويَذُوبَ لِسَانُهُ بألفَاظِها فَإِذا
جاشَ فِكرهُ بالشِّعر أدَّى إِلَيْهِ نتائجَ مَا استفاده مِمَّا نَظَر فِيهِ من تِلْكَ الأشْعار فكانَتْ تِلْكَ النَّتيجةُ كسبيكَةٍ مُفْرَغَةٍ من جَميعِ الأصْنَافِ الَّتِي تُخْرِجُها المَعَادن، وكما قد اغترَفَ من وادٍ قَدْ مَدَّتْهُ سيول جَارِيَة من شعَابٍ مُخْتَلِفَةٍ، وكَطِيبٍ تَركَّبَ عَن أخلاطٍ من الطِّيب كثيرةٍ فَيَستْغرِبُ عِيانُهُ، ويَغْمُضُ مُسْتَبطَنُهُ ويذهبُ فِي ذَلِك إِلَى مَا يُحْكَى عَن خَالد بن عبد الله القَسْريِّ فَإِنَّهُ قَالَ: حَفَّظَني أبي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute