فصل ١ معرفَة الْخَالِق وَمَا يجب لعزته
الله مُنْفَرد بِذَاتِهِ
ونقول أَيْضا إِن أول مَا يَنْبَغِي أَن يَبْتَدِئ بِهِ الْمَرْء هُوَ أَن يعلم إِن لهَذَا الْعَالم وأجزائه صانعا بِأَن يتَأَمَّل الموجودات كلهَا هَل يجد لكل وَاحِد مِنْهَا سَببا وَعلة أم لَا
فَإِنَّهُ يجد عِنْد الاستقراء لكل وَاحِد مِنْهَا سَببا عَنهُ وجد
ثمَّ ينظر إِلَى تِلْكَ الْأَسْبَاب الْقَرِيبَة من الموجودات هَل لَهَا أَسبَاب أَيْضا أم لَيست لَهَا أَسبَاب فَإِنَّهُ يجد لَهَا أَيْضا أسبابا ثمَّ يتَأَمَّل وَينظر هَل الْأَسْبَاب ذَاهِبَة إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ أم هِيَ واقفة عِنْد نِهَايَة بعض الموجودات أَسبَاب للْبَعْض على سبل الدّور فَإِنَّهُ يجد القَوْل بِأَنَّهَا ذَاهِبَة إِلَى غير نِهَايَة محالا ومضطربا لِأَنَّهُ لَا يُحِيط الْعلم بِمَا لَا نِهَايَة لَهُ ويجد القَوْل بِأَن بَعْضهَا سَبَب للْبَعْض على التَّعَاقُب محالا أَيْضا لِأَنَّهُ يلْزم من ذَلِك أَن يكون الشَّيْء سَببا لنَفسِهِ كَمَا أَنه لَو كَانَ الْألف سَببا للباء وَالْبَاء سَببا للجيم وَالْجِيم سَببا للدال لَكَانَ الْألف سَببا لنَفسِهِ وَهَذَا محَال فَبَقيَ أَن تكون الْأَسْبَاب متناهية وَأَقل مَا يتناهى إِلَيْهِ الْكثير هُوَ الْوَاحِد فسبب الْأَسْبَاب مَوْجُود وَهُوَ وَاحِد
وَلَا يجوز أَن يكون ذَات السَّبَب وَذَات الْمُسَبّب وَاحِدًا فسبب أَسبَاب الْعَالم مُنْفَرد بِذَاتِهِ عَمَّا دونه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute