شربنا بالكبيرِ وبالصغيرِ ... ولم نحفلْ بأحداثِ الدهورِ
فقد ركضتْ بنا خيلُ التصابي ... وقد طرنا بأجنحةِ السرورِ
وقال وأحسن:
سقتنيَ في ليلٍ شبيهٍ بشعرها ... شبيهةَ خدَّيها بغير رقيبِ
فما زلتُ في ليلينِ في الشعر والدجى ... وصُبْحينِ من كأسٍ ووجهِ حبيبِ
أبو نواس:
نبّهْ نديمك قد نعس ... يسقيك كأساً في الغلسْ
صرفاً كأنّ شعاعها ... في كفّ شاربها قبسْ
مما تخير كرمها ... كسرى بعانة واغترسْ
تذر الفتى وكأنما ... بلسانه منها خرسْ
يدعى فيرفعُ رأسه ... وإذا استقلَّ به نكسْ
السّريّ يستهدي شراباً:
تجنّبني حسنُ المدامِ وطيبها ... فقد ظمئتْ نفسي وطالَ شحوبها
وعندي ظروفٌ لو تظرَّفَ دهرها ... لما باتَ مغرىً بالكآبةِ كوبها
وشعثُ دنانٍ خاوياتٍ كأنها ... صدورُ رجالٍ فارقتها قلوبها
فسقياكَ لا سقيا السحاب فإنما ... بيَ العلةُ الكبرى وأنتَ طبيبها
وقال:
كبوةُ الهمِّ بين كأسٍ وكوبِ ... واغتباطِ المحبِّ بالمحبوبِ
حبذا أسهمٌ تفوِّقها الألحا ... ظُ لا تتقى بغير القلوبِ
وبواطٍ كأنهنَّ وهادٌ ... أترعتها سجالُ غيثٍ سكوبِ
السجل: مذكر الدلو إذا كان فيه ماء قل أو كثر، ولا يقال لها وهي فارغة: سجل، والجمع السجال، وسجلت الماء فانسجل، أي صببته فانصب، وأسجلت الحوض: ملأته.
وكأنَّ الكؤوسَ فيها جنوحاً ... أنجمُ الليلِ صوّبتْ للمغيبِ
نحنُ أبناءُ هذه الكأسِ لا نعْ ... دلُ عن شربها إلى مشروبِ
أدَّبتنا الأيامُ حتى أرتنا ... بطشَ أحداثها بكلّ أديبِ
وعلمنا أنا نصيبُ المنايا ... فأخذنا من المنى بنصيبِ
وقال:
خذوا من العيشِ فالأعمارُ فانيةٌ ... والدهر منصرمٌ والعمرُ منقرضُ
في حاملِ الكأسِ من بدر الدجى خلفٌ ... وفي المدامةِ من شمسِ الضحى عوضُ
كأنَّ نجمَ الثريا كفُّ ذي كرمٍ ... مبسوطةً للعطايا ليسَ تنقبضُ
دارت علينا كؤوسُ الراحِ مترعةً ... وللدجى عارضٌ في الجوِّ معترضُ
حتى رأيتَ نجوم الليلِ غائرةً ... كأنهن عيونٌ حشوها مرضُ
قعد قوم يشربون في غرفة فغنى مغنيهم:
ومقعد قوم قد مشى من شرابنا ... وأعمى سقيناه ثلاثاً فأبصرا
فطرق عليهم الباب، فقالوا: ذا من، فقال: رجل أعور يطلب قدحاً ونصفاً لعل عينه تفتح.
قال رجل من الشرّاب: وجهت إليك رسولاً فلم يجدك. قال: ذاك وقتٌ لا أكاد أجد فيه نفسي.
حمل سكران على قفا حمّال إلى منزله فسأل الناس الحمّال، وقالوا: ما هذا؟ فرفع السكران رأسه وقال: بقية مما ترك آل موسى وهارون تحمله الملائكة.
قيل لشيخ: كم مقدار ما تشرب من الشراب؟ قال: مقدار ما أتقوى به على ترك الصلاة.
قال ابن عياش: كنت وسفيان الثوري وشريكاً نمشي بين الحيرة والكوفة فرأينا شيخاً أبيض الرأس واللحية حسن السمت، فقلنا: هذا شيخ جليل قد سمع الحديث وقد رأى الناس، فتقدم إليه سفيان وكان أطلبنا للحديث ثم سلم عليه، وقال له: أعندك شيء من الحديث، فقال: أما الحديث فلا ولكن عندي عتيق سنتين فنظرنا فإذا هو خمّار.
قال الجاحظ: رأيت أسود بيده قنينةٌ وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك، قال: أخاف أن تنكسر هذه القنينة قبل أن أسكر.
محمد بن علي الدينوري:
هبّوا إلى شرب الصبوح فإنما ... لصبوحكم لا للصلاة أذاني
طلعت نجوم الراح في أيديهم ... مثل النجوم وغبنَ في الأبدانِ
أخذه من شعر وجدته يروى ليزيد بن معاوية:
وشمسة كرمٍ بروجها قعر دنّها ... ومطلعها الساقي ومغربها فمي
مسلم بن الوليد:
كأنها وسنانُ الماءِ يقتلها ... عقيقةٌ ضحكتْ في عارضٍ بردِ
دارت عليه فزادتْ في شمائلهِ ... لين القضيب ولحظ الشادن الغردِ
مشته لما تمشت في مفاصله ... لعب الرياح بغصن البانةِ الخضدِ
يقال: خضدت العود فانخضد أي ثنيته فانثنى من غير كسر.
آخر:
سقني الخمر صراحا ... لا تخف فيّ جناحا
أقراحٌ أنا حتى ... أشرب الماء القراحا
آخر: