للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولقد شربتُ الكأسَ في حانوتها ... صهباءَ صافيةً كطعمِ الفلفلِ

يسعى أليّ بكأسِها منتطفٌ ... فيعلُّني منها وإنْ لم أنهلِ

المنتطف: الذي في آذانه القرطة، وهي الحلق، واحدتها نطفة، بالتحريك، والعلّ: شرب ثان، يقال: علل بعد نهل، والنهل: الشرب الأول.

إنَّ التي ناولتني فرددتها ... قُتلتْ قُتلتَ فهاتها لم تُقتلِ

كلتاهُما حلبُ العصيرِ فعاطني ... بزجاجةٍ أرخاهُما للمفصلِ

بزجاجةٍ رقصت بما في قعرِها ... رقصَ القلوصِ براكبٍ مستعجلِ

وقال الأخطل:

يدبّ دبيباً في العظام كأنَّه ... دبيبُ رمالٍ في نقا يتهيّلُ

يتهيّل: يتصبب.

فقلتُ اقتلوها عنكمُ بمزاجِها ... وحِبّ بها مقتولةً حينَ تُقتلُ

ومن التشبيه الجيد قوله فيها يصف زقاق الخمر:

أناخوا فجرُّوا شاصياتٍ كأنَّها ... رجالٌ من السودانِ لم يتسربلوا

يقال للزقاق والقرب إذا ملئت أو نفخت فارتفعت قوائمها: شاصية، والجمع شواص. وقال آخر وزاد في التشبيه:

فحطّوا إلينا شاصيات كأنَّها ... من المزج مسلوب القميص وراعفُ

وقال أبو الهندي:

أتلفَ المالَ وما جمعتهُ ... طلبُ اللذاتِ من ماءِ العنب

واستباء الزقّ من حانوتهِ ... شائلَ الرجلينِ معصوبَ الذنبْ

وأخذ مسلم بن الوليد قول حسان:

فهاتها لم تقتل

فقال:

خلطْنا دماً من كومةٍ بدمائِنا ... فأظهرَ في الألوان منا الدمَ الدمُ

إذا شئتما أنْ تسقياني مدامةً ... فلا تقتُلاها كلُّ ميتٍ محرَّمُ

فقوله:

كلّ ميتٍ محرمُ

زيادة حسنة.

قال الملتمس:

صبا من بعدِ صبوتهِ فؤادي ... وسمّحَ للقرينةِ بانقيادِ

كأنّي شاربٌ يومَ استقلّوا ... وحث بهم وراءَ البيدِ حادِ

عقاراً عتِّقتْ بالدنِّ حتى ... كأنَّ حبابها حدقُ الجرادِ

وقال أبو نواس:

ألا دارِها بالماءِ حتّى تُلينَها ... فلنْ تُكرمَ الصهباءَ حتّى تهينَها

أُغالي بها حتّى إذا ما ملكتُها ... أذلتُ لإكرامِ النديمِ مصونَها

وصفراءَ قبلَ المزجِ بيضاءَ بعدهُ ... كأنَّ شعاعَ الشمسِ يلقاكَ دونَها

ترى العينَ تستعفيكَ من لمعانِها ... وتحسرُ حتّى ما تُقلُّ جفونَها

وقال أبو نواس أيضاً:

وذي حلفٍ بالراحِ قلتُ له اصطبحْ ... فليسَ على أمثالِ تلكَ يمينُ

شمولاً تخطّاها الزمانُ فقد مضتْ ... سنونٌ لها في دنّها وسنونُ

تراثُ أُناسٍ عن أُناسٍ تُخرَّموا ... توارثها بعدَ البنينِ بنونُ

فأدركَ منها الغابرونَ حشاشةً ... لها هيجانٌ مرةً وسكونُ

لذي نرجسٍ غضِّ القطافِ كأنَّه ... إذا ما منحناهُ العيون عيونُ

مخالفةٌ في شكلهنَّ فصفرةٌ ... مكانَ سوادٍ والبياضُ جفونُ

فلما رأى وصفي ارعوى واستزادني ... فقلتُ لجوجٌ عزَّ ثمَّ يهونُ

وصدَّق ظنِّي صدقَ اللهُ ظنَّه ... إذا ظنَّ خيراً والظنونُ فنونُ

وقال:

غنِّنا بالطلولِ كيفَ بكينا ... واسقِنا نُعطكَ الثناءَ الثمينا

من كميت كأنَّها كلُّ طيبٍ ... يتمنى مخيّرٌ أنْ يكونا

فإذا ما اجتليتَها فهباءٌ ... يمنعُ الكفَّ ما يبيحُ العيونا

ثمَّ شُجَّت فاستضحكت عن جمانٍ ... لو تجمعنَ في يدٍ لاقتُنينا

في زجاجٍ كأنَّهنّ نجومٌ ... جارياتٌ بروجُها أيدينا

طالعاتٌ مع السقاةِ علينا ... فإذا ما غربْنَ يغرُبنَ فينا

لو ترى الشربَ حولَها من بعيدٍ ... قلتَ قومٌ من قرةٍ يصطلونا

وغزالٍ يديرُها ببنانٍ ... ناعماتٍ يزيدُها الغمزُ لِينا

كلما شئتُ علّني برضابٍ ... يتركُ القلبَ للسرورِ قرينا

ذاكَ عيشٌ لو دامَ لي غيرَ أنِّي ... عفتهُ طائعاً وخفتُ الأمينا

وقال:

عتّقتْ في الدنّ حتّى ... هي في رقةِ ديني

ثمَّ شجّت فأدارت ... حولها مثلَ العيونِ

حدقاً ترنو إلينا ... لمْ تحجَّرْ بجفونِ

حدقٌ تثمر درّاً ... كلّ إبّانٍ وحينِ

السريّ الرَّفَّاء:

قمْ فانفِ بالكاساتِ سلطانَ الكرى ... واجعلْ مطايا الراحِ منَّا الراحا

<<  <   >  >>