للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والناس لا يعتدّون بالسخاء المتولد على السكر.

قال زهير:

أخو ثقةٍ لا يُذهبُ الخمرُ مالهُ ... ولكنّه قد يُذهبُ المالَ نائلهْ

وقال عنترة:

فإذا سكرتُ فإنَّني مستهلكُ ... مالي وعِرضي وافرٌ لم يُكلمِ

وإذا صحوتُ فما أُقصِّرُ عن ندًى ... وكما علمتِ شمائلي وتكرُّمي

وقد أحسن القائل:

يعيد عطايا سكره عند صحوه ... ليعلمَ أنّ الجودَ منه على علمِ

ويسلم في الأنعام من قول قائلٍ ... تكرّم لمّا خامرته ابنة الكرمِ

وقال بعضهم في معربد:

ومعربد أخرجته ... للريح إذ آذى الندامى

أغلقتُ بابي دونه ... وتركته يرعى الخُزامى

يرنو بعيني مبغضٍ ... نظر الوصيّ إلى اليتامى

ولآخر يعتذر:

قد جرت بيننا هناتٌ من الشك ... رِ كثار كبيرةٌ وصغارُ

وعثَار النبيذ عند ذوي الأخ ... طارِ ما لا يكون منه اعتذارُ

فارمِ بالحقد عن فؤادِك فالأح ... قادُ مما تُرمى بها الأحرارُ

ولبعد وجهه الذي كان لي ... منه إذا ما لقيته استبشارُ

ليس ذنبٌ جنيته سالم الع ... قل كذنبٍ جنت عليّ العقارُ

وقال بعضهم:

على قدر عقل المرء في حال صحوه ... تؤثر فيه الخمر في حال سُكرهِ

فتأخذ من عقلٍ كثيرٍ أقلّه ... وتأتي على العقل القليل بأسرهِ

قال عطية الشاعر: بينا أنا مع الحسن بن عبد الملك بن صالح ونحن مصطبحان نشرف على طريق إذ نحن برجل ليس معه ثقل ولا غلام فأقبل إلى باب الأمير، فقال: يا غلام خذ دابتي، وقال للحاجب: ادخل بين يدي، قال: إنه ليس منزل سوقة هذا منزل الأمير أبي الحسن بن عبد الملك ابن صالح، قال: قد علمت فادخل بين يدي، فدخل فلما صار إلى صدر المجس سلّم على أبي الحسن ثم قال: يا غلام خذ ثيابي، فأخذ ثيابه، فقيل: أتأكل شيئاً، قال: إن جدد لي طعام أكلت فإني لا آكل فضلةً فجدد له لحم طير، فأكل، قال أبو الحسن: اسقوه، فسقوه ثلاثاً، ثم قال: يا غلام انطق السنارة فخفقت العيدان فلما سكتن قال: يا غلام بقي على الجارية في صوت كذا وكذا فغضب الحسن فلما تبين الغضب في وجهه، قال: يا غلام خذ العود من يدها فأخذه وضرب وتغنَّى:

ولما توافقنا غداة وداعنا ... أشرْنَ إلينا بالجفونِ الفواترِ

ولا شيء أقوى شاهداً عند ذي هوًى ... من اللحظ يأتيه بما في الضمائر

قال: اجز، يا غلام خمسمائة دينار فوضعت بن يديه ثم قال: يا غلام طنبوراً، فضرب به وتغنّى:

ولما توافقنا غداةَ وداعنا ... ولم يبقَ إلاّ أنْ تزمّ نجائبي

طلبنا من الركب المحشر عوجةً ... فعجن علينا من صدور الركائب

فلما توافقن كتبنَ بأعينٍ ... لنا كتباً أعجمنها بالحواجبِ

فلما قرأناهن سرّاً طوينها ... حذار الأعادي بازورار المناكبِ

ثم قال: يا غلام طبلاً، فضرب به وتغنَّى:

وشادنٍ مكتحلٍ بسحرِ ... تنفث عيناه به في صدري

فيوهنان عزماتِ صبري ... مضطمرٌ أسفله عن خصرِ

كأنّما نجمعه في فتر ... كأنّ أطراف البنان الحمرِ

عنه عقيق في سلوك درّ ... مكّنتُ جنبي عينه من أسري

فاحتكما فيَّ احتكام دهري

ثم قال: يا غلام دفاً، فضرب به وتغنَّى:

كملت فلو قسم الإله ضياءها ... في الخلق كانوا كلهم أنوارا

تعنو لها أبصارُنا فكأنما ... بالحسن منها تملك الأبصارا

لو دُرِّع الليل البهيم ضوئها ... لغدا دجاه مع النهار نهارا

ما جال طرف في محاسن وجهها ... إلاّ تحيّر دونها أو حارا

قال: يا غلام خمسمائة دينار، فوضعت بين يديه، ثم قال: أي بني عمنا أنت فلم يكن ليقدم عليّ إلاّ هاشمي، قال: لست من بني عمك، أنا أبو نواس غضب عليّ أمير المؤمنين فأمرني بالخروج عن بغداد وأنا عائد إليها في غد إن شاء الله.

وأقول: إنه يتغلب عندي أن هذه القصة موضوعة إذ كان أبو نواس معروفاً مشهوراً عند جميع أصحاب السلطان ولو خفيت حاله على كل واحد لما خفيت عن هذا الأمير والله أعلم.

وقال آخر:

من كفّ جاريةٍ كأنّ بنانَها ... من فضةٍ قد طرّفت عنابا

وكأنّ يمناها إذا ضربت بها ... ألقتْ عليّ يد الشمال حسابا

وقال حسان بن ثابت:

<<  <   >  >>