خلِّ الزمانَ إذا تقاعسَ أو جمحْ ... واشكُ الهمومَ إلى المدامة والقدحْ
واحفظْ فؤادكَ إن شربتَ ثلاثةً ... واحذرْ عليه أنْ يطيرَ من الفرحْ
هذا دواءٌ للهمومِ مجرّبٌ ... فاقبلْ مشورةَ ناصحٍ لك قد نصحْ
ودعِ الزمانَ فكم رفيقٍ حازمٍ ... قد رامَ إصلاحَ الزمانِ فما صلحْ
وقال بعض الأعراب، إنما الأبيات لأبي نواس وله سبب وحكاية مع الرقاشي:
ومستطيل على الصهباء باكرها ... في فتيةٍ باصطباح الراح حذّاقِ
وكلّ شيء رآه ظنّه قدحاً ... وكل شخص رآه ظنّه الساقي
وقيل لبعض خلفاء بني أمية: ما يطيب في هذا اليوم؟ فقال: قهوة صفراء في زجاجةٍ بيضاء تناولنيها مقدودة هيفاء مضمومة لفّاء أشربها من يدها وأمسح فمي بفمها.
أقول: مقدودة أي حسنة القد معتدلة، يقال: قُدَّ قَدَّ السيف أي جعل حسن التقطيع، وهو صفة حركاته وأعضائه ومضمومة أي عقصت شعرها. واللفّاء: الضخمة الفخذين المكتنزة.
وقال ابن المعتز:
غدوتُ إلى كأسٍ ورحتُ إلى كاسِ ... ولم أرَ فيما تشتهي النفسُ من باسِ
وملتبسٍ بالبدرِ في أعينِ الورى ... من الناسِ إلاّ أنه أملحُ الناسِ
سقانيَ خمراً من يديهِ وريقهِ ... فأسكرني سكرينِ من دونِ جُلاسي
وكمْ من نديمٍ سابقٍ إلى الكرى ... وكمْ من نديمٍ قد سبقتُ إلى كاسِ
العطوي:
جارة لي أجارها الحس ... ن من كلّ عائبِ
هي بينَ النساءِ كال ... بدرِ بينَ الكواكبِ
لحظها قبل لفظها ... من جليلِ المواهبِ
سألتني هل النبي ... ذُ حلالٌ لشاربِ
قلت إي والذي يُري ... نيك رغم الأقاربِ
اشربيهِ فإنَّ في ... هـ لإحدى العجائبِ
يُنبتُ الوردَ في نقا ... ءِ خدودِ الكواعبِ
وأجيبي بغيرِ قو ... لٍ عن الحقِّ عازبِ
هل حلالٌ دماؤنا ... للظباءِ الربائبِ
قالت استفتِ غيرَ ... خصمك فعل الملاعبِ
وقال المأمون:
ردَّا عليَّ الكأسَ إنكما ... لا تعلمانِ الكأسَ ما تجدي
خوفتماني الله ربّكما ... وكخيفتيهِ رجاؤه عندي
إن كنتما لا تشربان معي ... خوفَ العقاب شربتُها وحدي
ابن المعتز:
معتّقة صاغَ المزاجُ لرأسِها ... أكاليلَ درٍّ ما لمنظومِها سلكُ
جرتْ حركاتُ الدهرِ فوقَ سكونها ... فذابتْ كذوْب التبرِ أخلصهُ السبكُ
وقال الأعشى:
في فتيةٍ كسيوفِ الهندِ قد علِموا ... أنْ ليسَ تدفعُ عن ذي الحيلةِ الحيلُ
نازعتهمْ قضبَ الريحانِ متكئاً ... وقهوةً مزَّةً راووقها خضلُ
يقال: أخضلت الشيء فهو مخضل إذا بللته، وشيء خضل: رطب، والخضل: النبات الناعم، والخضيلة: الروضة وأخضل اخضلالاً واخضوضل: ابتلّ.
وكتب أحمد بن أبي العلاء إلى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
أنا سيفٌ على العِدى لك في الحر ... بِ وفي السلم فابتذلني وصنِّي
ونديم إن لم يزرك نديم ... ومغنّ إن لم يجئك مغنِّي
كتب محمد بن عبد الله بن طاهر إلى أخيه عبيد الله:
يومنا طيّب يطيب به القص ... ف وشُرب الأرطال والجامات
ولدينا ساقٍ أغرُّ أديبٌ ... قد غنينا به عن القيناتِ
إنْ تخلفت عندما تصل الر ... قعة عنّا فأنت في الأمواتِ
فأجابه:
أنا لو لم أُدعى تطفّلت حتى ... أشتفي من حديث هذا المواتي
فاجعل الشرط بيننا لا تقل لي ... قد تثاقلت فانصرف بحياتي
قال المأمون لجبريل بن بختيشوع: ما أخف النقل؟ ق نقل أبو نواس يا أمير المؤمنين، قال: وما هو؟ قال: قوله:
ما لي في الناس كلّهم مثلُ ... ما بي خمر ونُقلي القبلُ
حتى إذا ما العيون قيل هدت ... وحان نومي فمضجعي كفلُ
وقد قال أهل الأدب: لا فضيلة في السُّكر سوى فقدان الهموم، وذلك عند النظر لا يفي بفقدان العقل، قالوا: وفيه مع ذلك فضيلة خفية نافعة وهي جسارة من كان متيماً على إلفه.
قال العباس بن الأحنف:
أراني سأُبدي عندَ أولِ سكرةٍ ... لديها هواها في ملاءٍ وفي سترِ
فإنْ رضيتْ كانَ الرِّضا سببَ الهوى ... وإنْ غضبتْ منه أحلتُ على السكرِ