للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حمراءُ صافيةٌ كأنَّ حبابَها ... طلٌّ ترقرقَ في شقيق أحمرا

راقت ورقت منظراً ولطافةً ... وشفَت وشفّت في الكؤوس فلن ترى

خافت سيوف الماء فاتّخذت لها ... في الكأس من زرد الفواقع مِغفرا

وقال أيضاً:

فعاطني صهباء مشمولةً ... عذراء فالواشون نوّامُ

واكتم أحاديث الهوى بيننا ... ففي خلال الرّوض نمّامُ

وقلت من قصيدة في الصاحب الأعظم شمس الدين، عز نصره:

ومدامٍ جلوتها بعد وهنٍ ... فأعادتْ جنحَ الظلام نهارا

رقصت للدجى فكان حباب ال ... كأس من أنجم عليها نثارا

وأشارت إلى الكؤوس فمالت ... وإلى ساقي المدامِ فجارا

وأدار الكبير منها ونادى ... إنما يشرب الصغير الصغارا

ونديم حلو الفكاهة معشوق ... المعاني يرضيك أنَّى أشارا

ليس يعصيك ما أمرت ولا ... تلقاه يوماً في حالةٍ أمَّارا

وصريع المدام ما دارتِ الكأ ... سُ عليه إلاّ تصابي ودارا

جعل الشربَ والغناء شعارا ... ومديحي شمس الأنام شعارا

وقلت من أخرى في الصاحب الأعظم:

طاف بدر الدجى بشمس المدامِ ... بنت دنّ يفتضها ابن الغمامِ

قهوة تجلب السرور وتجلو ... بسناها المنير صبغَ الظلامِ

كلَّما شجّها المزاجُ أرتنا ... كيفَ مجرى الأرواحِ في الأجسامِ

من يدي فاتن اللواحظ معشو ... ق التثني رشيق معنى القوامِ

مثل بدر السماء لو كان للبد ... رِ عذارٌ يقيم عذر الغرامِ

ثغره لا عدمتُ رشف ثنايا ... هـ وشعري كالدرّ عند النظامِ

في رياض يبوح فيها نسيم ال ... ريحِ أنَّى سرى بسرِّ الخزامِ

وكأنَّ الشقيقَ فيها خدود ... ضرّجتها قساوةُ اللوامِ

وتخالُ الأغصانَ هيفَ قدودٍ ... راقصاتٍ على غناءِ الحمامِ

ونديم مهذب الرأي مأمون ... السجايا يُصيبُ حرَّ لكلامِ

همّه والهوى هوانٌ كما قا ... ل الأولى في غلامةٍ أو غلامِ

ويحث المدام فهو صريع ... بين كأسٍ ملأى وطاسٍ وجامِ

وقال البهاء زهير المصري:

خذ فارغاً وهاتهِ ملآنا ... من قهوةٍ قد عُتِّقت أزمانا

أقلّ ما عدّ لها مالكُها ... أنْ لحقتْ ملكَ أنوشروانا

ذخيرة الراهب كي يجعلها ... إذا أتتْ أعيادهُ قربانا

مدامةٌ ما ذُكرت أوصافها ... إلاّ انثنى سامعُها سكرانا

تكاد من لألائها إذا بدتْ ... تُهدي إلى مكانها العميانا

كالنار إلاّ أنَّها ما وقدتْ ... في الكأس إلاّ أطفأت نيرانا

ما الملك الأعظم في سلطانه ... إلاّ الذي أضحى بها نشوانا

كم رفعت متّضعاً وكرمت ... مبخّلاً وشجَّعت جبانا

بتُّ أعاطيها فتاة جمعت ... لعاشقيها الحسن والإحسانا

مخضوبة البنان في يمينها ... كأس مدام تخضب البنانا

ولي نديم ماجد لا أرتضي ... عنه بديلاً كائناً من كانا

أخو فكاهات متى حاضرته ... في مجلس وجدته بستانا

حلو الأحاديث وإن غنَّاك لم ... تجدهُ في ألحانهِ لحَّانا

لا يعرف الهمّ فتًى يعرفه ... ولا يرى ندمانهُ ندمانا

ومن شعر الفلاسفة:

شربنا على الصوتِ القديمِ مدامة ... لكلّ قديمٍ أوّل هي أولُ

فلو لم تكن في حيّزٍ قلتُ إنَّها ... هي العلَّة الأولى التي لا تعللُ

آخر وأحسن:

وربَّ ليلٍ شربت فيه ... وما استفزَّني العقارُ

أجهل فيها مع الغواني ... والجهل في مثلها وقارُ

وقال آخر:

ما العيش إلاّ في زمان الصبا ... فإن تولَّى فزمان المدام

كأس إذا ما الشيخ والى بها ... خمساً تردى برداء الغلام

وقد رأيت أن أقتصر على هذا المقدار من وصف الشراب وما قيل فيه فقد ذكرت ما يقتضيه الحال، ويستحقه هذا المختصر. وها أنا أذكر ما قيل في تركه ومراعاة العقل وحراسته من عادتيه حسبما يوصيه شرطي الاختصار وبالله أستعين وعليه أتوكل.

قال الحيص بيص وهذا معنى ما أظنه سُبق إليه:

لا تضع من شريف قوم وإنْ كن ... ت مشاراً إليه بالتعظيمِ

فالشريفُ العظيمُ يصغرُ قدراً ... بالتعدي على الشريفِ العظيمِ

<<  <   >  >>