للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كلّما حلّها أرتنا كيفَ مس ... رى السرورِ في الأرواحِ

من يدي مخطف المعاطف مشوق ... التثني مجدول مجرى الوشاحِ

وقال أحد الخالديين، وكان محيي الدين نظر إليه:

غادني بالصبوح قبل الصباحِ ... واجرِ في حلبةِ الصبا والمراحِ

عاطنيها كالجلّنار إذا ما ... كللت من حبابها بالأقاحِ

في اختصاص التفّاح بالطيب والحم ... رةِ لا في كنافة التفاحِ

غير نكران تستمدّ شعاع الشم ... س منها كواكب الأقداحِ

ألفتها الأجسام بالطبع لمَّا ... عرفت قربها من الأرواحِ

فتدارك بها حشاشة أفرا ... حي وحرّك بها سكون ارتياحي

بين وردين من نبات وخدٍّ ... وشرابينِ من رضابٍ وراحِ

فألذّ الحياة ما خلط العا ... قلُ فيها فسادهُ بصلاحِ

وقال محيي الدين أيضاً:

ما وجه عذرك والكؤوس تدارُ ... ضاقتْ بمن جهل الصبا الأعذارُ

سفرتْ لك اللذات واتّسعت بها ... الأوقات واجتمعتْ بها الأوطارُ

ساقٍ يسوقُ لك السرورَ ومطربٌ ... حسنُ الغناء وروضةٌ وعقارُ

أوَ ما ترى وجه الربيعِ وقد بدا ... يختالُ في حبراتهِ آذارُ

وقال الخالديان:

قامرَ بالنفسِ في هوى قمرِ ... فباعَ وصلَ البدورِ بالبدرِ

وافتضَّ أبكارَ لهوهِ طرباً ... إلى عشايا المدامِ والبكرِ

قد ضُربتْ خيمةُ الغمام لنا ... ورشَّ جيشُ النسيمِ بالمطرِ

وعندنا عاتقانِ حمراءَ كالشم ... سِ وأخرى بيضاءَ كالقمرِ

بكرانِ هذي تُزانُ بالكبرِ ال ... بادي وهذي تزانُ بالصغرِ

وقال المجد بن الظهير الحنفي الإربلي:

ومدامةٍ مثل العقيق شربتها ... والنجم في كبد السماء معلقُ

عاطيتها بدر الدجى والليل من ... وجه المدير ومن سناها يُشرقُ

في روضةٍ حسنتْ وطابَ نسيمها ... فكأنَّ مسكاً في ثراها يعبقُ

وقال أيضاً:

فاشربْ على وجه الربيع مدامةً ... قد قلِّدتْ في كأسها بجواهرِ

جُليتْ فنقَّطها المزاجُ بلؤلؤ ... متساقط من كأسهِ متناثرِ

يُغنيكَ عن ضوء النهار شعاعُها ... كالشمس في فلك السرور الدائرِ

وقال أيضاً:

لله كم من ليلةٍ عاطيته ... كأساً لها من وجنتيه لهيبُ

حمراء قابلها بوردةِ خدِّهِ ... فتشابه المشمومُ والمشروبُ

ومثل هذا رباعي:

قد طاف بها مزاجها تنسيم ... وسنان شعار طرفه التهويمُ

ما قابلها بالورد من وجنته ... إلاّ اشتبه المشروب والمشمومُ

وقال المجد أيضاً:

يا مضيّعاً زمانه بالأماني ... قم بحقّ الربيع حقّ القيامِ

واغتنمْ غفلةَ الحوادث واشربْ ... غير مستكبر لكوبٍ وجامِ

من كميت راقت ورقَّت فما ... تدرك لطفاً بالفكر والأوهام

أودعتها الدنان أيدي أناسٍ ... عتَّقوها من قبل سام وحامِ

ثم أبقت منها السنون كما أب ... قى الهوى من حشاشةِ المستهامِ

تورث الشرب نشطةً وفتوراً ... وافراً في نفوسهم والعظامِ

ذات خدٍّ مصونة العرض خفّت ... في هواها رواجح الأحلامِ

وقال أيضاً:

طاف بدر الدجى بشمس النهار ... في رياض أنيقة الأزهارِ

مشرقاتٍ يضمُّ شمل الأماني ... في رباها مفتّح النوّارِ

وأتانا بها يقدّ أديم ال ... ليل منها صوارمُ الأنوارِ

بنت كرمٍ حفّت بكاس زجاجٍ ... ثمَّ زفت بنعمة الأوتارِ

سلكت مسلك الضمير صفاءً ... فغدونا نبوحُ بالأسرارِ

جاء يسعى بها إلينا وقد خا ... طت يدُ النوم أعينَ السمّارِ

وكأنَّ النجومَ نورُ رياض ... وكأنَّ المريخَ شعلةُ نارِ

وغزال راضته لي سورة الكأ ... س وقد كان آنساً بالنفارِ

مسكر باللحاظ تحسبُ في أج ... فانِ عينيه حانةَ الخمّارِ

وقال أيضاً:

مشمولةٌ خطأ المواصل ... شربها عين الصواب

تبدو لنا في كأسها ... كالشمس في خلل السحاب

فترى النهار بنورها ... والليل مسدول الحجاب

كالماء تلمسها ولك ... ن فعلها فعل الحباب

يضحي بها المقرور وهو ... كأنَّه في شهر آبِ

البدر الدمشقي:

<<  <   >  >>