للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العالم بعين الأنبياء، فرأى إنساناً قد هانت عليه إنسانيته، رآه يسجد للحجر والشجر والنهر، وكل ما لا يملك لنفسه النفع والضر، رأى إنساناً معكوساً قد فسدت عقليته..، وفسد نظام فكره..، وفسد ذوقه..، رأى مجتمعاً هو الصورة المصغرة للعالم، وكل شيء فيه في غير شكله أو في غير محله..، فقد أصبح فيه الذئب راعياً، والخصم الجائر قاضياً، وأصبح المجرم فيه سعيداً حظياً، والصالح محروماً شقياً..، ورأى عادات فاسدة تستعجل فناء البشرية، وتسوقها إلى هوة الهلاك.

ورأى معاقرة الخمر إلى حد الإدمان، والخلاعة والفجور إلى حدّ الاستهتار، وتعاطي الربا إلى حدّ الإغتصاب واستلاب الأموال، ورأى الطمع وشهوة المال إلى حدّ الجشع..، ورأى القسوة والظلم إلى حدّ الوأد وقتل الأولاد.. رأى ملوكاً اتخذوا بلاد الله دولاً، وعباد الله خولاً١، ورأى أحباراً ورهباناً أصبحوا أرباباً من دون الله، يأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله.

المواهب البشرية ضائعة أو زائفة، لم ينتفع بها، ولم توجه التوجيه الصحيح، فعادت وبالاً على أصحابها، وعلى الإنسانية، فقد تحولت الشجاعة فتكاً وهمجية، والجود تبذيراً وإسرافاً، والأنفة حمية جاهلية،


١ خولاً: أي عبيداً وخدماً.
انظر: لسان العرب ١١/٢٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>