الرد على المتكلمين في مسلكهم لإثبات وجود الله عز وجل:-
إن المسلك الذي سلكه المتكلمون لإثبات وجود الله عز وجل لاشك مسلك باطل، بل محرم. والدليل على بطلانه وتحريمه ما يلي:
أولاً - إن وجود الله عز وجل يثبته جل بني آدم، ولم ينكره إلا طائفة قليلة من الملاحدة١، الذين هم أتباع فرعون إمام الملاحدة ومن أخذ بقوله وقولهم من السابقين واللاحقين، وهؤلاء لا يشكلون إلا نسبة قليلة من مجموع بني آدم، أما الغالبية العظمى من بني آدم من أصحاب الأديان كاليهود والنصارى والهنود ومشركي العرب فضلاً عن المسلمين فيثبتون وجود الله عز وجل.
كما أن الله حكى عن فرعون أنه كان في قرارة نفسه مقراً بوجود الله عز وجل وربوبيته، وإنما جحد ذلك تكبراً وعلواً. قال الله عز وجل:{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ، وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}[النمل١٣, ١٤] .
وقال موسى عليه السلام لفرعون:{قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً}[الإسراء١٠٢] . فإذا كان الأمر كذلك فهل يسوغ الاشتغال بتلك الطرائق التي يزعم المتكلمون أنهم يريدون أن يثبتوا بها وجود الله عز وجل وإرغام أنوف الملاحدة؟! .
ثانياً - إن أعظم الدعاة إلى الله عز وجل وأشدهم نصحاً للخلق هم الأنبياء عليهم السلام، وقد جادلهم أقوامهم فأقاموا الحجة عليهم بأوضح عبارة وأبين مقال، وما رأيناهم دعوا الناس إلى الإقرار بوجود الله عز وجل، وإنما دعوهم إلى عبادة الله عز وجل وحده، مما يدل على أن من جاء إليهم الأنبياء ودعوهم كانوا يقرون بوجود
٣ ذكر الشهرستاني أن الملاحدة قلة وشرذمة من طوائف مجهولين. انظر: الشهرستاني في نهاية الاقدام في علم الكلام ص ١٢٨، والآمدي في غاية المرام ص٩.