للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الآيات التي استدلوا بها: فإن ما ورد فيه مدح المؤمنين والثناء عليهم فهذا وصف أهل الكمال منهم.

أما ما ورد فيه ذمهم فهذا وصفهم في حال نقص إيمانهم بالمعاصي ولا يعني ذلك خروجهم من الإيمان بذلك.

أما استدلالهم بحديث أبي هريرة: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ... " فللعلماء في ذلك عدة أجوبة من أظهرها:

أن المراد أن الإيمان يرتفع عنه حال مقارفته المنكر فإذا تاب وأقلع رجع إليه إيمانه، ويؤيد هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان كان عليه كالظلة فإذا انقطع رجع إليه الإيمان" ١، وبهذا قال أبو هريرة رضي الله عنه كما روى الآجري أنه قال: "الإيمان نَزِهْ فمن زنا فارقه الإيمان فإن لام نفسه وراجع رجع إليه الإيمان "٢، وبهذا قال أيضا ابن عباس رضي الله عنه وعطاء وطاووس والحسن وهو قول الإمام أحمد.

ولا يعني هذا القول أن مفارقة الإيمان له خروجه من الإسلام لأن جل العلماء يرون أن الإيمان مرتبة أعلى من الإسلام فلو خرج من الإيمان فهو يخرج إلى الإسلام ولا يخرج من الإسلام إلا بأمر كفري.

وقول آخر: أن الإيمان المنفي هنا هو الإيمان الكامل، وهو الكمال الواجب الذي يعاقب على تركه صاحبه لأن الكمال نوعان:

كمال واجب وهو سائر ما أوجب الله على العباد، ويدخل فيه الانتهاء عما نهى الله تبارك وتعالى عنه.

وكمال مستحب: وهو سائر ما رغب الله تبارك وتعالى به من الفضائل والأعمال الصالحة. وذلك زيادة على القيام بالواجب والانتهاء عن المحرم.


١ أخرجه أبو داود في السنة ٢/٢٧٠، والحاكم في المستدرك ١/٢٢، وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
٢ الشريعة للآجري ص ١١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>