ليس في الباب نص ملزم للأخذ به, لكان قد أحسن, وسد بذلك الطريق على أهل الأهواء أن يتخذوا ذلك ذريعة للطعن في أهل السنة والحديث كما فعل الكوثري هنا بالذات في مقدمته لكتاب "تبين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري""ص٦٤" فقد قال فيهم بعد أن نبزهم بلقب الحشوية -أسوة بسلفه من الجهمية- وغيرهم١:
"ويقولون في الله مالا يجوزه الشرع ولا العقل من إثبات الحركة له "تعالى" والنقلة "ويعني بهما النزول" والحد والجهة "يعني العلو" والقعود والإقعاد ". فيعني هذا الذي نحن في صدد بيانه عدم ثبوته.
أقول: لو أن المؤلف رحمه الله وقف عند ما ذكرنا لأحسن, ولكنه لم يقنع بذلك, بل سود أكثر من صفحة كبيرة في نقل أقوال من أفتى بالتسليم بأثر مجاهد في تفسير قَوْلِهِ تَعَالَى:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال: يجلسه أو يقعده على العرش. بل قال بعضهم:"أنا منكر على كل من رد هذا الحديث وهو عندي رجل سوء متهم.." بل ذكر عن الإمام أحمد أنه قال: هذا تلقته العلماء بقبول إلى غير ذلك من الأقوال التي تراها في الأصل ولا حاجة بنا إلى استيعابها في هذه المقدمة. وذكر في "مختصره" المسمى ب "الذهبية" أسماء جمع آخرين من المحدثين سلموا بهذا الأثر ولم يتعقبهم بشيء هناك. وأما هنا فموقفه مضطرب أشد الاضطراب فبينما تراه يقول في آخر ترجمة محمد بن مصعب العابد عقب قول من تلك الأقوال "ص١٢٦":
" فأبصر -حفظك الله من الهوى- كيف آل الفكر بهذا المحدث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر ... "
فأنت إذا أمعنت النظر في قوله هذا, ظننت أنه ينكر هذا الأثر ولا يعتقده, ويلزمه ذلك ولا يتردد فيه, ولكنك ستفاجأ بقوله "ص١٤٣" بعد أن
١ انظر كلام الحافظ أبي حاتم الرازي في ترجمته "٧٧ ".