تعني بهذه الإشارة؟ فقلت: ما قال عارف قط يا رباه إلا قبل أن يتحرك لسانه، قام من باطنه قصد لا يلتفت يمنة ولا يسرة يقصد الفوق، فهل لهذا القصد الضروري عند من حيلة؟ فنبئنا نتخلص من الفوق والتحت، وبكيت وبكى الخلق، فضرب الأستاذ بكمه على السرير وصاح: يا للحيرة، وخرق ما كان عليه وانخلع، وصارت قيامة في المسجد، ونزل، ولم يجبني إلا: يا حبيبي الحيرة الحيرة، والدهشة الدهشة". فسمعت بعد ذلك أصحابه يقولون: سمعناه يقول: حيرني الهمداني.
توفي إمام الحرمين في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، وله ستون سنة. وكان من بحور العلم في الأصول والفروع، يتوقد ذكاء.
٣٠٨- قلت: وإسناد هذه القصة صحيح مسلسل بالحفاظ، وأبو جعفر اسمه محمد بن أبي علي الحسن بن محمد الهمداني مات سنة "٥٣١"، وقد وصفه ابن تيمية في "مجموعة الفتاوى" "٤/ ٤٤" بـ"الشيخ العارف".
ويبدو لي أن هذه الحيرة كانت قبل استقرار عقيدة أبي المعالي الجويني على المذهب السلفي، بل لعلها كانت المنطلق إلى هذا الاستقرار الذي أبان عنه فيما سبق من كلامه في "الرسالة النظامية".
وما أشبه حال بحال أبيه العلامة أبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني، فقد كان برهة من الدهر متحيرا في هذه المسألة "الأستواء" وسواها من مسائل الصفات. بسبب تأثره بعلم الكلام الذي تلقاه عن شيوخه. ثم استقر أمره -والحمد لله- على العقيدة السلفية فيها، كما شرح ذلك هو نفسه أحسن الشرح في رسالته القيمة في "إثبات الاستواء والفوقية" وهي مطبوعة في المجلد الأول من "مجموعة الرسائل المنيرية" "ص١٧٠-١٨٧". وإني لأستغرب كيف فات ذكر هذا الإمام على الحافظ الذهبي في جملة هؤلاء الأئمة الأعلام الذي قالوا بقول السلف في هذه المسألة الهامة. ولك جل من لا ينسى.
١٥٧- سعد الزنجاني "٣٨١-٤٧١"
٣٣٨- كان الإمام أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني الحافظ المجاور بمكة له حرمة عظيمة بالحرم، بحيث أنه إذا خرج من منزله يقلبون يده أكثر مما يقبلون