وغيرهما رضي الله عنهم: "الاستواء معلوم, والكيف مجهول, والإيمان به واجب, والسؤال عن الكيفية بدعة" لأنه سؤال عما لا يعلمه البشر, ولا
يمكنهم الإجابة عنه. وكذلك إذا قال: كيف ينزل ربنا إلى السماء الدنيا؟ قيل له: كيف هو؟ فإذا قال: لا أعلم كيفيته. قيل له: ونحن لا نعلم كيفية نزوله. إذ العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف وهو فرع له وتابع له, فيكف تطالبني بالعلم بكيفية سمعه وبصره, وتكليمه واستوائه ونزوله, وأنت لا تعلم كيفية ذاته؟ وإذا كنت تقر بأن له حقيقة ثابتة في نفس الأمر مستوجبة لصفات الكمال, لا يماثلها شيء فسمعه وبصره, وكلامه ونزوله واستواؤه ثابت في نفس الأمر وهو متصف بصفات الكمال التي لا يشابهه فيها سمع المخلوقين وبصرهم وكلامهم ونزوله واستواؤهم ... ".
وقال في "الحموية" "ص٩٩" بعد أن ذكر مختصر ما تقدم:
"ومذهب السلف بين التعطيل وبين التمثيل, فلا يمثلون صفات الله بصفات خلقه, كما لا يمثلون ذاته بذات خلقه, ولا ينفون عنه ما وصف بهنفسه, ووصفه به رسوله, فيعطلوا أسماءه الحسنى, وصفاته العليا, ويحرفوا الكلم عن مواضعه, ويلحدوا في أسماء الله وآياته.
وكل واحد من فريقي التعطيل والتمثيل, فهو جامع بين التعطيل والتمثيل. أما المعطلون فإنهم لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق, ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات. فقد جمعوا بين التعطيل والتمثيل, مثلوا أولا, وعطلوا آخرا. وهذا تشبيه وتمثيل منهم للمفهوم من أسماءئه وصفاته بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاتهم, وتعطيل لما يستحقه هو سبحانه من الأسماء والصفات اللائقة به سبحانه وتعالى, فإنه إذا قال القائل: لو كان الله فوق العرش للزم إما أن يكون أكبر من العرش, أو أصغر, أو مساويا, وكل ذلك من المحال -ونحو ذلك من الكلام- فإنه لم يفهم من كون الله على العرش إلا ما يثبت لأي جسم كان على أي جسم كان. وهذا اللازم تابع