قال ابن القيم رحمه الله تعالى في "الجيوش الإسلامية" "ص٩٦":
"بل الذي بين أهل الحديث والجهمية من الحرب أعظم مما بين عسكر الكفر وعسكر الإسلام".
أقول: مع هذا كله, نرى أغلب الدعاة الإسلاميين اليوم, لا يقيمون لهذه المسالة ولا لأمثالها من مسائل الاعتقاد وزنا, ولا يلقون لها بالا, فلا تسمع لها في محاضراتهم ولا في مجالسهم الخاصة فضلا عن العامة ذكرا, ويكتفون من المدعوين أن يؤمنوا إيمانا مجملا, ألا ترى إلى ذلك الدكتور الذي قال في مقدمة رسالة "باطن الإثم" وهو يرسم للمسلمين المتفرقين المتدابرين الدواء بزعمه:
"وما أظن إلا أننا جميعا مؤمنون بالله إلها واحدا لا شريك له بيده الخير والملك وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"!
نعم نحن مؤمنون بالله ... ولكن إيمان المؤمنين يختلف بعضه عن بعض أشد الاختلاف, وما نحن فيه من صفة العلو أوضح مثال, فإن كان الدكتور يعتقدها على طريقة السلف المثبتين لها بدون تشبيه ولا تعطيل, فالناس الذين وضع لهم هذه الرسالة لا يشاركونه في ذلك الاعتقاد, إن كان هو ليس شريكا لهم في اعتقادهم! فماذا يفيد هذا الإيمان وهو ليس على ما شرعه الله وبينه, وقد أشار إلى هذه الحقيقة الإمام أبو محمد الجويني في مقدمة رسالته السابقة "الاستواء والفوقية" بعد أن ذكر الله تعالى ببعض صفاته كالسمع والبصر والكلام واليدين والقبضتين:
"استوى على عرشه, فبان من خلفه, لا يخفى عليه منهم خافية علمه بهم محيط وبصره بهم نافذ, وهو في ذاته وصفاته لا يشبهه شيء من مخلوقاته,
ولا يمثل بشيء من جوارح مبتدعاته. هي صفات لائقة بجلاله وعظمته, لا تتخيل كيفيتها الظنون, ولا تراها في الدنيا العيون. بل نؤمن بحقائقها وثبوتها, واتصاف الرب تعالى بها, وننفي عنها تأويل المتأولين, وتعطيل الجاحدين, وتمثيل المشبهين, تبارك الله أحسن الخالقين.