فبهذا الرب نؤمن, وإياه نعبد, وله نصلي ونسجد. فمن قصد بعبادته إلى إله ليست له هذه الصفات فإنما يعبد غير الله, وليس معبوده ذلك بإله ".
والإمام الجويني رحمه الله تعالى حينما يقول ذلك, ويصدر هذا الحكم العدل على النفاة إنما تلقى ذلك عن أئمة السلف١, فسيأتي في ترجمة الإمام عبد الله بن المبارك قوله في الجهمية: "إنهم يزعمون أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء ". في ترجمة عباد بن العوام: "آخر كلامهم ينتهي أن يقولوا ليس في السماء شيء, أرى أن لا يناكحوا أو يتوارثوا". ونحوه في ترجمة عبد الرحمن بن مهدي, ووهب بن جرير, والقعنبي وأبو
معمر القطيعي وغيرهم من الأئمة, لكنهم لا يكفرون بالجهم بها أحداً إلا بعد انتهائها إليه كما سيأتي في ترجمة الإمام ابن جرير الطبري.
ولذلك فإني أعتب أشد العتب على الكتاب الإسلاميين اليوم -إلا القليل منهم- الذين يكتبون عن الإسلام كل شيء ما عدا العقيدة السلفية والطريقة المحمدية, وأخص بالذكر منهم أولئك الذين يتولون توجيه النشء الجديد إلى الإسلام, وتربيتهم بتربيته, وتثقيفهم بثقافته, فإنهم لا يحاولون مطلقا أن يوحدوا مفاهيمهم حول الإسلام الذي اختلف فيه أهله أشد الاختلاف, لا كما يظن بعض المغفلين منهم أو المتغافلين أن الخلاف بينهم في الفروع فقط دون الأصول, والأمثلة في ذلك كثيرة يعلمها من كان له دراسة في كتب الفرق, أو كان على علم بأفكار المسلمين اليوم, ويكفينا الآن مثالا على ما نحن فيه من البحث, ألا وهو علو الله على خلقه, فنحن تبعا للسلف نؤمن بها قاطعين جازمين, وغيرنا ينكرها أو يشك فيها تبعا للخلف والشك مما ينفي الإيمان بها قطعا ومع ذلك فنحن جميعا مؤمنون بالله ... كما قال ذلك الدكتور فأينا المؤمن حقيقة؟ أما الجواب فهو معروف لدى كل طائفة وإن كنا لسنا في
١ وهذا معنى ما جاء في رسالة "المعرفة" للشيخ عبد الكريم الرفاعي رحمه الله "ص١٢": "ومن اعتقد أعتقادا غير مطابقا للواقع كاعتقاد النصارى بالتثليث والوثنية بالتجسيم, وغير ذلك من المعتقدات الباطلة فهو كافر بإجماع المسلمين".