ولعل المعنى الحديث يرجع بسبب إلى المعنى القديم؛ لأن الظهور والوضوح والالتزام سمة للنص بمفهومه المعاصر الذي يعني تحديد كلام معين على الصورة التي صدرت من قائله.
ولا يوجد اختلاف واضح بين الألفاظ الثلاثة التي تضاف لكلمة تحقيق؛ لأن التراث مخطوط باليد، وهو لا يعدو كونه مجموعة من النصوص.
على ضوء هذا نستطيع أن نقول: إن تحقيق النصوص أو المخطوطات يعني اتباع وسائل معينة للوصول بالنص المخطوط إلى الصورة التي يغلب على الظن أنها كلام المؤلف الذي نسب إليه هذا النص. يقول الأستاذ عبد السلام هارون في تعريف الكتاب المحقق بأنه: الذي صح عنوانه، واسم مؤلفه، ونسبة الكتاب إليه، وكان متنه أقرب ما يكون إلى الصورة التي تركها مؤلفه١.
هل العرب عرفوا تحقيق النصوص قديما بالمعنى الذي عرفت به حديثًا؟:
أستطيع أن أقول: إن أسلافنا الأوائل عرفوا التحقيق بمعناه المعاصر أو على صورة قريبة منه.
فهم عرفوا "الضبط" بمعنى عملية تقويم نص الكتاب والتأكد من صحته. نقول كما جاء في المعجم الوسيط: ضبط الكتاب ونحوه: أصلح خلله وشكله، وضبط الكتاب بمعنى: تقويمه وتصويبه، مأخوذ من الضبط والرواية الشفوية.
وعرفوا "التحرير" وهو مرادف للفظ الضبط؛ إذ يريدون به تأكيد الكتابة والتأكد من صحتها أيضًا، وهو تحرير الكتاب من العناصر الزائفة والدخيلة التي حشرت بمرور الزمن.
وأما المقابلة فهي مقابلة نسخ الكتاب المختلفة بعضها على بعض, من أجل ضبط النص وتصحيحه.
١ انظر: تحقيق النصوص ونشرها ط٢ ص٢٩ عبد السلام هارون.