وفيه التنبيه على صدق البعث بعد الموت؛ لأن مَن قدر على خلق الشخص من ماء مهين، ثم نقله إلى العلقة، ثم إلى المضغة، ثم ينفخ فيه الروح، قادر على نفخ الروح بعد أن يصير ترابًا، ويجمع أجزاءه بعد أن يفرقها. ولقد كان قادرًا على أن يخلقه دَفْعَةً واحدة؛ ولكن اقتضت الحكمة بنقله في الأطوار رفقًا بالأم؛ لأنها لم تكن معتادة، فكانت المشقة تعظم عليها، فهيأه في بطنها بالتدريج إلى أن تكامل. وإذا تأمل الإنسان في أصل خلقه من نطفة، وتنقله في تلك الأطوار إلى أن صار إنسانًا جميل الصورة، مفضلًا بالعقل والفَهْم والنطق كان حقًّا عليه أن يشكر من أنشأه وهيأه، ويعبده حق عبادته، ويطيعه ولا يعصيه. وفيه الحث على الاستعاذة من سوء الخاتمة، وقد عمل به جمع جم من السلف وأئمة الخلف. وفيه أن الله يعلم الجزئيات كما يعلم الكليات لتصريح الخبر بأنه يأمر بكتابة أحوال الشخص مفصلة. وفيه أنه سبحانه مريد لجميع الكائنات بمعنى أنه خالقها ومقدرها لا أنه يحبها يرضاها. وفيه أن الأقدار غالبة، فلا ينبغي لأحد أن يغتر بظاهر الحال؛ ومن ثم شرع الدعاء بالثبات على الدين وبحسن الخاتمة. وقال ابن رجب في شرح الجزء الأخير من الحديث: وقد رُوي هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه سلم- من وجوه متعددة، وخرَّجه الطبراني من حديث علي بن أبي طالب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وزاد فيه: "صاحب الجنة مختوم له بعمل أهل الجنة، وصاحب النار مختوم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل، وقد يسلك بأهل السعادة طريق أهل الشقاوة حتى يقال: ما أشبههم بهم بل هم منهم وتدركهم فتستنقذهم، وقد يسلك بأهل الشقاوة طريق أهل السعادة =