للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدٍ أَبِي سُلَيْمَانَ الجهني.


= حتى يقال: ما أشبههم بهم بل هم منهم وتدركهم الشقاة، من كتبه الله سعيدًا في أم الكتاب لم يخرجه من الدنيا حتى يستعمله بعمل يسعده قبل موته ولو بفواق ناقة"، ثم قال: "الأعمال بخواتيمها، الأعمال بخواتيهما".
وخرج البزار في مسنده بهذا المعنى أيضًا من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الصحيحين عن سهل بن سعد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- التقى هو والمشركون، وفي أصحابه رجل لا يدع شاذة وفاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو من أهل النار"، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه فاتبعه، فجرح الرجل جرحًا شديدًا، فاستجعل الموت، فوضع نصل سيفه على الأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أشهد أنك رسول الله، وقص عليه القصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة". زاد البخاري رواية: "إنما الأعمال بالخواتيم".
وقوله: "فيما يبدو للناس" إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك، وأن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس، إما من جهة عمل سيئ ونحو ذلك، فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت، وكذلك قد يعمل الرجل عمل أهل النار وفي باطنه خصلة خفية من خصال الخير، فتغلب عليه تلك الخصلة في آخر عمره فتوجب له حسن الخاتمة.
قال عبد العزيز بن أبي رواد: حضرت رجلًا عن الموت يلقن الشهادة "لا إله إلا الله"، فقال في آخر ما قال: هو كافر بما تقول، ومات على ذلك، قال: فسألت عنه، فإذا هو مدمن خمر، وكان عبد العزيز يقول: اتقوا الذنوب؛ فإنها هي التي أوقعته.
وفي الجملة فالخواتيم ميراث السوابق، فكل ذلك سبق في الكتاب السابق، ومن هنا كان يشتد خوف السلف من سوء الخواتيم، ومنهم من كان يقلق من ذكر السوابق، وقد قيل: إن قلوب الأبرار معلقة بالخواتيم، يقولون: بماذا يختم لنا؟ وقلوب المقربين معلقة بالسوابق، يقولون: ماذا سبق لنا؟
وبكى بعض الصحابة عند موته فسئل عن ذلك فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله تعالى قبض خلقه قبضتين فقال: هؤلاء في الجنة، وهؤلاء في النار، ولا أدري في أي القبضتين كنت؟ "، فقال بعض السلف: ما أبكى العيون وما أبكاها الكتاب السابق.
وقال سفيان لبعض الصالحين: هل أبكاك قط علم الله فيك؟ فقال له ذلك الرجل: تركني لا أفرح أبدًا. وكان سفيان يشتد قلقه من السوابق والخواتيم فكان يبكي ويقول: أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيًّا، ويبكي ويقول: أخاف أن أسلَب الإيمان عند الموت.
وكان مالك بن دينار يقوم طول ليله قابضًا على لحيته ويقول: يا رب، قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار، ففي أي الدراين منزل مالك؟
وقال حاتم الأصم: من خلا قلبه من ذكر أربعة أخطار فهو مغتر فلا يأمن الشقاء:
الأول: خطر يوم الميثاق حين قال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وهؤلاء في النار ولا أبالي، فلا يعلم في أي الفريقين كان.
والثاني: حين خلق في ظلمات ثلاث، فنادى الملَك بالشقاوة والسعادة، ولا يدري أمن الأشقياء هو أم من السعداء.
والثالث: ذكر هول المطلع، فلا يدري أيُبَشَّر برضا الله أم بسخطه.
والرابع: يوم يصدر الناس أشتاتًا، فلا يدري أي الطريقين يسلك به.
وقال سهل التستري: المريد يخاف أن يبتلى المعاصي، والعارف يخاف أن يبتلى بالكفر. ومن هنا كان =

<<  <   >  >>