وقد رُوي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة، والعنبة". وهذا لا يخالف حديث النعمان بن بشير، وإنما معناه: أن معظم الخمر يكون منهما، وهو الأغلب على عادات الناس فيما يتخذونه من الخمور. وفي قوله: "ما أسكر كثيره، فقليله حرام" دليل أن التحريم في جنس المسكر لا يتوقف على السكر؛ بل الشربة الأولى منه في التحريم ولزوم الحد في حكم الشربة الآخرة التي يحصل بها السكر؛ لأن جميع أجزائه في المعاونة على السكر سواء، كالزعفران لا يصبغ القليل منه حتى يُمدَّ بجزء بعد جزء، فإذا كثر وظهر لونه، كان الصبغ مضافًا إلى جميع أجزائه لا إلى آخر جزء منه، وهذا قول عامة أهل الحديث، وقالوا: لو حلف ألا يشرب الخمر، فشرب شرابًا مسكرًا، يحنث. قال السائب بن يزيد: إن عمر قال: إني وجدت من فلان ريح شراب، وزعم أنه شرب الطلاء، وأنا سائل عما شرب، فإن كان يسكر جلدته، فجلده الحد تامًّا. والطلاء: ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلاثًا. وقال علي: لا أُوتَى بأحد شرب خمرًا ولا نبيذًا مسكرًا إلا جلدته الحد. وقال ابن عمر: كل مسكر خمر، وهذا قول مالك والشافعي. وقال عبد الله بن مسعود: السَّكَر خمر، ومثله عن إبراهيم، والشعبي، وأبي رزين قالوا: السكَر خمر، وقال ابن المبارك في رجل صلى وفي ثوبه من النبيذ المسكر بقدر الدرهم أو أكثر: إنه يعيد الصلاة. وقال معن: سألت مالكًا عن الفقاع، فقال: إذا لم يسكر، فلا بأس به. وسئل طلحة بن مصرف عن النبيذ، فقال: هي الخمر، هي الخمر. والسَّكَر: كل ما يسكر من خمر وشراب، ونقيع التمر الذي لم تمسه النَّار، والفُقَّاع: شراب يتخذ من الشعيرِ يخمر حتى تعلوه فقاعاته. [٣٣] انظر تخريج الحديث السابق. ١ كذا في الأصل، وأظن أن الصواب: أبو جعفر محمد بن الصباح، ومحمد بن الصباح له ترجمة في تاريخ بغداد "٥/ ٣٦٥" وتهذيب الكمال "٢٥/ ٣٨٨-٣٩٢" وهو من رجال الكتب الستة، وهو ثقة. توفي سنة "٢٢٧". ٢ له ترجمة في تهذيب الكمال "٩/ ٢٣٨"، وهو من رجال الكتب الستة، وأثنَى عليه جمهور النقاد. توفي سنة "٢٠٧".